فوزية الجار الله
** (في الحصار يصير الزمان مكاناً..
تحجّرَ في أبَدِه..
في الحصار يصيرُ المكانُ زماناً..
تخلَّفَ عن موعِدِه)
-محمود درويش-
حكاية:
كانت لحظة استثنائية لا تنسى حين تهادى صوته إليها..
دون مقدمات أو أسئلة، حدثته بلا تردد بما يشبه الشكوى عن ظروف صعبة أوهنَتْ أجنحتها، جعلتها لا تمارس الكتابة وربما يأتي ذلك اليوم الذي لا تجد فيه كلمات جديرة بماء الروح وحبر القلب..
هو كان قاب قوسين أو أدنى من مشاعر خفية دفعته إلى إخفاء حلقة ذهبية تناسب أحد أناملها التي طالما عشقها وحمد الله لذلك القدير الذي أبدعها،
أجابها: لن تكوني أنت بلا كتابة!
أنت ترسمين إيقاع الحياة، تلوحين بالأمل وحين تكفين عن تصعيد هذا الجمال، ربما يتوقف ذلك الفيض الجارف في أعماقي لك، إن لم تكتبي!
لم تغضب، بل كانت تلك أسعد لحظاتها، فالكتابة حب يمتزج بأنفاسها وعبارته تلك تعني أنه يحبها هي هكذا بلا رتوش!.. الأمر لا يتعلق بشهرة عابرة ولا بثروة تملكها فالكتابة في الوطن العربي لا تعد بالثراء والغنى مهما بلغت شهرة صاحبها، ما زالت تذكر ذلك الكاتب الجميل المحترف الذي كان يكتب بلا توقف وقد أدمنت قراءته، ما زالت تذكر صدمتها بذلك الخبر بعد رحيله إلى العالم الآخر بأنه لم يترك لأبنائه وعائلته مالاً يذكر وإنما ترك لهم اسماً مضيئاً وكلمات وعبارات تتردد هنا وهناك.
رغم الألم:
أحرص على تصفّح أخبار العالم دائماً وعلى وجه الخصوص الآن، أثناء تلك الفترة العصيبة التي تجتاح العالم بأسره، قرأت في الأسبوع الماضي عن انتحار طبيبة أمريكية في مدينة نيويورك، كانت تعمل في الصفوف الأمامية من أجل مكافحة «فيروس كورونا» قرأت الخبر في الموقع الإلكتروني لـ(بي بي سي العربية)، ويبدو أن الطبيبة لا تزال شابة تحت سن الأربعين وربما تحت الثلاثين، حيث تضمن الموضوع أن والدها الذي أكد الواقعة، يعمل طبيباً أيضاً وهو في التاسعة والأربعين من عمره، وإذا صحّ الخبر فربما يكون سبب الانتحار هو عدم تحمّل الطبيبة لتلك المشاهد المؤلمة لطوابير المرضى وحالات الوفيات، حيث بلغت في تلك اللحظة في مدينة نيويورك وحدها سبعة عشرة ألفاً وخمسمائة حالة (17500) ولعل الطبيبة عانت ضغوطاً نفسية لا تحتمل.. مثلما نعاني نحن في حجرنا الصحي ضغوطاً بشكل أو آخر، فنحن نفتقد لقاء الأقارب والأحبة ونفتقد الكثير من مظاهر حياتنا الطبيعية، لكننا الآن بحاجة إلى أن نكون أقوى من أي وقت مضى..
الإيمان بالله قوة..
صداقة الكتاب قوة.. والاستغراق في كتابة تنهل معينها من أعماق الروح هي أيضاً منتهى القوة.