من الأمور المسلَّم بها التي تشغل بال الكثير منَّا في هذه الحياة الدنيا وتذهب عنه أسس السّعادة والسّرور والبهجة والفرح غريزة الخوف، الغريزة التي قلَّ أن يسلم منها أحد مِنَّا في هذه الحياة، وهي تتشكل بأشكال عدة، إما بإشارات أو إيحاءات حيث إنه في أغلب الأحيان يقف سداً منيعاً أمام المرء عن أداء العمل، كما أنه يحدث له اليأس والإحباط ويفقده الأمل والتفاؤل، ومن أنواعه التي تحتل المرتبة الأولى -على سبيل المثال لا الحصر- الفقر، فالفقر من أخطر أنواع الخوف لأنه يعيق الحركة والقوة والتفكير إلى جانب أنه يقتل الحماس والهمة في النفس البشرية ويولد الشك والتذبذب والاضطراب عندها ويضعف اليقين ويفقد الأمل والطموح والنشاط والحيوية. ومن الملاحظ جداً أن غريزة الخوف قد ارتفع شأنه وعلا أمره في هذا العصر بالذات عن العصور السابقة، وذلك لأسباب عدة، أولها تسابق الناس بشدة وعنف على المال والجاه والصراع والتقاتل من أجله دون خوف ولا حياء ولا خجل يذكر.
فإن المدنية المتقدمة قد جعلت المال له شأن كبير على الساحة عن ذي قبل مما جعل الكثير من الناس يتسابقون عليه ويتقاتلون مع بعضهم البعض، وذلك من أجل الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من هذا المال الوفير الذي يحقق لهم الفوائد العدة.
فالخوف داء قديم يعيش مع المرء طيلة حياته منذ قبل ولكنه لم يصل به إلى هذا المستوى المتدَّني والهزيل والضيعف التي جعلت إخطاره تحدث أحداثًا مؤسفًا ومؤلمة على الساحة الآن، فالمرء الذي أقل دخلاً من الآخرين ليس له قيمة عند فئة ((ما)) في مجتمعه سواء على النطاق الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي، أو القانوني. أما سيِّد المال ومالكه فإنه يحتل مكانة رفيعة على الساحة لا ينافسه أحد غيره بكل يسر وسهوله. وعلى هذا المنوال أصبح الفقر داءً مرعباً وشبحاً مخيفاً لفئة معينة من البشر، فقد كان داء الخوف أشد منه وأقصى عناء ومشقة مما جعل الحياة أكثر شيوعاً وتعقيداً، فإن أرباب الأسر الأقل مالاً ودخلاً - على سبيل المثال - لا يحتملون المعيشة الصعبة والاقتناع والرضا بما تيسر وتسهل، وبما كتب من عند رب العباد. ومع تطور الحياة وقسوتها أصبح رب الأسرة لا يستطيع التحمل والصبر على الحالات الكبيرة والصغيرة، مما جعل الإنسان يزداد خوفاً ورهبة وتردداً عندما يفتقد المال من يديه ولا يستطيع أن يتحمل حاجته وحاجة أفراد أسرته مما يجعله يعيش في خلقة مفرغة لا يستطيع الخروج منها إلا بشق الأنفس.
ولو أمعن المرء النظر في حركاته وتصرفاته منذ أيام صغره حتى أيام كبره لرأى مصادر ومشاهد عدة تتمثل في أسس الخوف ونظرة الآخرين الدونية ونقدهم اللاذع غير الحضاري له، وعلى هذا الأساس استفاد الكثير والكثير من تلك الحالات في مجالات عدة، وخصوصًا شركات الأدوية ومصنعيها عالمياً التي جعلتهم يتنافسون ويبذلون جهودًا جبارة في صناعة هذه الأدوية مما جعلهم يغرقون الأسواق العالمية ومخازنها بهذا العلاج غير الحقيقى، وإنما هو علاج وهمي لأمراض وهمية ناشئة من داء الخوف.
مما جعل فئة [ما] من المجتمع تتناول هذا الدواء من أجل الشفاء من هذا الشبح الذي اعتلا صحة الكثير من هؤلاء البشر. وخلاصة القول أن هذا العلاج أصبح لدى هؤلاء من علاج شافٍ إلى داء حقيقي خلال مدة استعماله. ومن المؤسف كثيراً أن أعراض هذا الداء الخطير كثر الحديث عنه بين أواسط المجتمع بشكل عام وليس خاصًا إلى جانب طرح الأسئلة والاستفسارات الملحة والمتكررة على الكوادر الطبية التي تعمل داخل المقرات الصحية عن أسباب ومسببات أعراض تلك الداء، وكان من أعراض تلك الداء في الأزمنة القديمة على الجنسين معاً - كانت تتمحور في استطاعة الرجل بأفكاره وأرائه وأساليبه أن يستطيع الاستيلاء على أفكار وقلب المرأة وحبسها ومراقبتها مراقبة دقيقة وشديدة وعنيفة، ونحو ذلك، بسبب تحول المدنية إلى الاستيلاء على قلب المرأة عن طرق عدة مثل الأغراء بالمال أو غيره، أو التظاهر بأبجديات الحب والعطف والود وغيره إلى جانب الادعاء والتظاهر بكثرة المال والجاه ونحو ذلك.
وأعراض هذا الداء يحدث للمرأة كما يحدث للرجل وهكذا، بل يعتبر عند المرأة أشد وقعاً في نفسها وألماً لأن المرأة أقل ثقة من الرجل.
فعندما يتحدث الرجل عن نسبة الطلاق في أي مجتمع (ما) أو عن تعدد الزوجات، فإن الأمر يكون صعباً لدى النِّساء بشكل عام.
ومن أعراضه الشديدة جداً التي تطفو على السطح حالياً غيرة الرجل على المرأة والمرأة على الرجل حتى يصل بهما إلى درجة الهوس والاتهام والشك من غير أن تكون له أسباب معقولة.
إلى جانب تقدم الرجل والمرأة في السن ودخولهما في عصر الشيخوخة، فلعل ما طرحته سابقاً أن داء الخوف يعتبر حالة نفسية تستولي على فكر الرجل والمرأة معاً فتشل حركتهما في هذه الحياة.
فإذا آمنا إيماناً تاماً بأن القوة والتفكير والتأمل والتفاؤل والاقتناع والرضا بما قدر ويسر وسهل كما يريدون كان هو مفتاح طرق العلاج بإذن الله تعالى.
والله الموفق والمعين.