لا شك أن لجوء البشر إلى الله سبحانه وتعالى يتصاعد عند الأزمات، وهذا شعور إنساني، حيث البحث عن قوة خارقة عندما تعجز السبل عن الوصول إلى حل تلك الأزمات. هناك اجتهاد ملحوظ من فكر يربط جائحة كورونا أنها عقاب إلهي وجند من جنود الله التي أتت بسبب غضب الله على هذا الكون. ولا أعلم هل من أي مصدر صريح يؤكد هذه الفكرة سوى أن لديهم تأويلات للوصول إلى ذلك الاعتقاد. ومن جهة أخرى وهم أصحاب المنهج العقلاني والواقعي ومن يؤمن بفكرة أن هذا الفيروس ما هو إلا مرض مثله مثل الأمراض السابقة التي تحدث بسبب ما، ولنا في التاريخ عبرة. أقف هنا للإيضاح حول الاعتقاد بالحقيقة ومن ناحية بنائية الفكرة والتي تستمد تأثيرها من عدة عوامل سواء ثقافياً ودينياً وتعليمياً وغيره من أحداث المجتمع. عند العودة للتاريخ وتصرفات البشر مع الجوائح، فجائحة الموت الأسود (الطاعون) والتي قضت على ملايين البشر في أوروبا وفي العالم في القرن الرابع عشر والتي بدأت من الصين إلى أوروبا وما أشبه البارح باليوم.
نظرت الكنيسة في ذلك الوقت إلى ذلك الوباء على أنه عقوبة ولعنة إلهية مما زاد بالناس التجاءً للكنيسة وجعلت البعض يغدق على الكنيسة الأموال الطائلة رغبة للتقرب إلى الله لكي ينجيهم من هذه الجائحة مما تسبب في زيادة أرصدة الكنيسة!! في تلك الحقبة الزمنية انتشرت وصفات طبية (شعبية) قيل إنها تساعد على العلاج والحماية من ذلك الوباء ومنها الخل وابتلاع غبار الذهب والتهام قرن مطحون والخ. هذا ما يفسر حالياً خروج الكثير من مدعي العلاج بالطرق الشعبية وربطها دينياً بأحاديث نبوية مثل (الحبة السوداء) وغيرها، ويجعلنا نفهم مدى تشابه البشر في التعامل مع الأزمات. خرج الكثير من رجال الدين ورجال الكنيسة دون الأخذ بعين الأهمية عدم الخروج والبقاء في المنازل وعزل أنفسهم لتفادي ذلك المرض المميت. خرجوا باعتقاد أن هذا الوباء من صنع القدر ولا يجب على الإنسان الاعتراض وأن الله إن أراد سيحميهم وكانت النهاية أن مات معظمهم من هذا الوباء!! وهذا أيضاً يقرب الصورة لسلوك البعض وتلك الرسائل المتداولة حالياً أن الإصابة من كورونا هي بأمر الله لذا لا داعي للقلق والأخذ بالاحتياطات ويستشهدون بآية {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا} ونسوا أن الله أمر {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، وأيضاً الأخذ بالأسباب. بعد تلك الجائحة وبعد موت العديد من البشر كان الانقلاب على الكنيسة وبعض المفاهيم الدينية سببه أزمة عدم الثقة فهاج الناس بسؤال وهو أين الكنيسة من حمايتنا بالرغم من صلواتنا وتقربنا ودفع الأموال ومن هنا يتبين خطورة ربط الأحداث دينياً دون عمق ولتنبأ بما سيحصل بعد ذلك.
إن ربط هذه الجائحة بالعقوبة يجعل في أذهاننا تساؤلات لاحقة قد تسيء إلى المفاهيم لدينا حول التفسيرات الدينية خصوصاً والتي يتداولها العوام دون وعي. لعل أقربها أنه إذا تم إيجاد لقاح وعلاج لهذا المرض (كورونا) فهل هزم البشر جند الله وعقوبته! حاشا الله عن ذلك. ثم إن هذه الجائحة تسببت في إغلاق المساجد والكعبة المشرفة ومسجد رسوله، إذاً فالأولى حسب الاعتقاد الخاطئ أن هذا الوباء أعاقنا عن العبادة والأقرب أنه فعل من الشيطان يريد الإضرار بعلاقتنا مع الله سبحانه وتعالى. ولا ننسى رحمة الله على عباده وأوامره الشرعية بالرفق بالوالدين وكبار السن قال تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا}، وهذا الوباء الظالم الجائر هل يقصد كبار السن بما يتعارض مع مبدأ الرحمة التي أمر بها الله سبحانه وتعالى، فلنترك إقحام الدين دون علم، ونبتعد عن التأويلات غير الصحيحة في مثل هذه التفسيرات، فلا تنفي ولا تؤكد ما ليس لنا به علم، فعلمه عند الله وحده.