روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله: «من أكبر الكبائر أن يسبّ الرجل والديه». قالوا: يا رسول الله، وكيف يسبّ والديه؟ قال: «يُسَابُّ الرجل، فيسب أباه، فيسب الآخر أباه، ويسبّ أمه، فيسبّ الآخر أمه».
تذكرت هذا الحديث الذي ورد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو القائل: «أدبني ربي فأحسن تأديبي»، والذي أثنى عليه الله سبحانه بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}! تذكرته عندما استمعت إلى أحد مواطنينا في تسجيل له على (اليوتيوب) يشتم ويقذف نساء بلد عربي (المغرب) الذي تجمعنا به أواصر العروبة والدين والعلاقات الأخوية الطيبة، وكان من الطبيعي أن يكون لفعله صدى كبير في طول الوطن العربي وعرضه، وأن يستعدي كثيرين، ليس عليه وحده، بل تمادى بعضهم حتى وصل إلى الوطن برمته فلم يسلم من هجومه كبير ولا صغير.
فيما يتعلق بالمواطنين المغاربة، فلا تثريبَ عليهم -على الرغم من تجاوز بعضهم فبالغوا في الشتم حدّا لا يختلف عمّا فعله ذلك المواطن- لأنه من بدأهم بالشتم، والبادي -كما يقال- أظلم، كذلك: ربّ كلمة قالت لصاحبها دعني، فلم يكن محتاجًا إلى فعل ما فعل، بل ليس من حقه ذلك. فمن المؤكد أننا لا نرضى أن يتدخل أحد في شؤوننا، وكذلك الآخرون. فقد وصف نساءهم بما لا يليق، بل بأمر لعن الله مرتكبه، فجاءه الرد بمثل ما فعل، وهذا ينسجم تمامًا مع سياق الحديث، شتمهم فشتمونا!
وبالطبع كانت فرصة لدخول كل الحاقدين والمتربصين بنا، من كل الأطياف الذين تقودهم قناة دويلة قطر، وقنوات الإخونج العاملة في تركيا بعناوين صارخة تدل على أن ذلك الشخص قدّم لهم فرصة على طبق من ذهب، أولئك ينطبق عليهم قول المصريين (عايزين جنازة يشبعوا فيها لطم)! وهم فئة اعتادت شتمنا في وسائل التواصل الاجتماعي ممن يعملون لحساب تلك الدويلة التي قاطعناها لسوء أفعالها، أما قناة تلك الدويلة فقد صيرت الأمر سياسيًا، كعادتها - ليس آخر هذا ما جاء على لسان الممثل راشد الشمراني حيث اعتبروه مقدمة للتطبيع - فلا غرابة أن يتحدث عن القيم والأخلاق والعلاقات الأخوية من يفتقدها، فهم جبلوا على ارتكاب كل الموبقات، وليس السبع وحدها - دون أن يرفّ لهم جفن - في تناول كل ما يتعلق بنا. هؤلاء بعض بيوتهم من زجاج، وبعضها الآخر أَوْهَنَ من بيوت العنكبوت! لكنهم لا يستحون، فقد استمرأوا قلة الحياء، الذي يفسره قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يبصر أحدكم القذى في عين أخيه وينسى الجذع في عينه!)!
ومن باب الذكرى التي تنفع المؤمنين - ونحن في شهر كريم - أذكّر بعض مواطنينا بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنّ الله يبغض الفاحشَ البذيءَ». وقوله: «إنّ أبغضكم إليّ، وأبعدكم مني مجلسًا يوم القيامة الثرثارون المتشدقون المتفيهقون». قالوا: يا رسول الله، قد علمنا الثرثارين، وقد علمنا المتشدقين، فما المتفيهقون؟ قال: «المتكبرون».
أتمنى، ولا ريبَ يتمنى غيري من عقلاء الوطن أن تراقب وزارة الإعلام هذه المواقع، وأن تضع ميثاق شرف مناهض لخطاب الكراهية، حتى يعلم من يمررونه أنهم تحت سلطة القانون فلا يتجاوزون فيما يبثونه ويسمونه حرية تعبير، مما يثير الفتنة التي لعن الله من أيقظها.
علاوة على أن بلادنا لم تكن ولن تكون يومًا من الدول التي تشتم الآخرين في وسائل إعلامها، كما دأبت على ذلك دول بعينها.
ختامًا على هؤلاءِ أن يقولوا خيرًا أو يصمتوا، وإلا فإنّ الأخذ على أيديهم يعدّ واجبًا وطنيًا؛ لأنهم يسيئون إلى الوطن برمته قبل أن يسيئوا إلى الآخرين.
** **
- د.حسناء القنيعير