د.عبدالله بن موسى الطاير
كتبت صحيفة واشنطن بوست الخميس الماضي عن سيناريوهات محتملة يدرسها مستشارو الرئيس الأمريكية للثأر من الصين بسبب الزعم بعدم شفافيتها وإخفائها معلومات كانت ستحفظ أرواح عشرات الآلاف من الأمريكيين الذي قضوا بسبب جائحة كوبيد-19. ثلاثة خيارات مخيفة ربما وضعت على طاولة الرئيس أو على الأقل خطرت ببال مستشاريه. وأقول مخيفة لأنها تفصح عن حجم الغضب الأمريكي من الصين، ولأن السيناريوهات الثلاثة كفيلة بتقويض النظام العالمي الحالي والتأسيس لعلاقات منفلتة مؤقتاً ريثما تنشأ آليات تعاون دولية جديدة.
السيناريو الأكثر خطورة هو أن ترفع الحصانة السيادية عن الصين كلياً أو جزئياً وبذلك تتم محاكمة الصين من قبل ضحايا فيروس كورونا المستجد وصدور أحكام قضائية بتعويضات بمليارات الدولارات تقتطع مباشرة من الأصول الصينية في الخزانة الأمريكية. أما الثاني فهو أن تعفي أمريكا نفسها من كل أو بعض الديون التي تملكها الصين، والثالث أن يفرض الرئيس رسوماً على السلع الصينية لجمع نحو ترليون دولار أمريكي.
يبلغ حجم الدين الأمريكي حوالي 24 ترليون دولار، منها 7.06 ترليون تملكها دول أجنبية. وثاني أكبر الدائنين هي الصين بنحو 1.1 ترليون. امتلاك الصين نحو 15 % من الدين الخارجي الأمريكي يعني مصلحة اقتصادية بحتة. فأمريكا هي البلد الوحيد الذي يستوعب هذا المبلغ الضخم، وارتباط العملة الصينية (اليوان) بالدولار يخدم استقرار العملة المحلية والاقتصاد الصيني عموماً. وقد وجدت الصين أن استثمارها في سندات الخزانة الأمريكية يفوق في قوته خزينها من الذهب إن لم يتساو معه في الأهمية. أين الصين من التهديد والوعيد الأمريكي؟ لماذا لا تعلّق كثيراً على مثل هكذا سيناريوهات؟ ربما اختارت الصين عدم المخاطرة بالتصريح بالرد في وجود رئيس مثل دونالد ترامب لا يفكر كثيراً قبل اتخاذ قراراته التي يمكن أن تدمر الاقتصاد الصيني بشكل لا مثيل له. ولذلك فإنها تحتاط وتتخذ الإجراءات الوقائية التي تساعد اقتصادها على الصمود دون جلبة لا مبرر لها سوى استفزاز البيت الأبيض.
الصين قد اتخذت بالفعل خطوات مهمة في تعزيز مخزون الذهب في سعيها للانعزال عن الاقتصاد العالمي الذي يلعب فيه الدولار الأميركي دوراً مهماً بحسب تقرير لقناة الحرة، التي تضيف أن الصين عزَّزت مشترياتها من الذهب بنحو 100 طن منذ مطلع الحرب التجارية مع الولايات المتحدة ليصل مخزونها إلى نحو 1937 طن من الذهب، ويبدو أنها لم تكن بمفردها في اتخاذ إجراءات احترازية لتضمن تجنيب اقتصادها ونظامها المالي الانهيار الكامل بسبب الدولار، فروسيا اتخذت الإجراء ذاته، حيث تملك أكثر من 2219 طن من الذهب.
حرب اقتصادية بين أمريكا والصين على هذا المستوى الانتقامي ستكون مجنونة بدون أدنى شك، ولن تأخذ في الحسبان الخسائر المهولة على الاقتصاد والاستقرار المالي العالمي ونظامه المرتبط مباشرة بأمريكا. لكن الصين بطبيعة الحال لن تكون الخاسر الوحيد، فتطبيق أي من الخيارين الأول أو الثاني من الإجراءات الانتقامية الأمريكية من الصين سوف يرسل رسالة سلبية تزعزع الثقة في الخزانة الأمريكية، وتوحي بأن أية ودائع لأية دولة في أمريكا مرتهنة للقرار الأمريكي الذي يمكن أن يصادرها في أي وقت. كما أن رد الصين بتسعير النفط الذي تشتريه بغير الدولار الأمريكي سيكون موجعاً للعملة الأمريكية وللعملات المرتبطة بها.
سيدخل المجموعة الدولية إذا مضت الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الطريق نفقاً مظلماً، وستعبر طرقاً شائكة لأن أحداً لن يتمكَّن من الحياد، فأمريكا لا تقبل الولاء المزدوج، وستخير حلفاءها وأصدقاءها بين أن يكونوا في صفها أو أن يكونوا أعداء لها، وهذا مأزق سيثير الفوضى في الاقتصاد العالمي الذي سيكون محل اختبار حقيقياً حتى يتشكّل نظام عالمي جديد قادر على استيعاب القوى المتنافرة التي ستفرزها هذه المعركة الصامتة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين.
في خاتمة المطاف هل سنكون أمام نظام عالمي متعدد الأقطاب، أم سنعود لنظام القطب الواحد.
هل نأمل في أن يكون ما يتردد هو مجرد خطاب مأزوم في فترة انتخابية مختلفة جداً، أم نتوقع أن يكون توتير العلاقات مع الصين وإطلاق شرارة حرب ذات الدماء الخضراء هو الأمل الوحيد للرئيس الأمريكي للفوز برئاسة ثانية في نوفمبر القادم.