إبراهيم بن سعد الماجد
المكان: حيث الروحانية، مهجر خير البشرية.
الزمان: شهر تنزُّل القرآن.
الأمر: مزيد من الرعاية والعناية بجزء رئيس من لغة القرآن، في ظرف بالغ الصعوبة؛ إذ باتت اللغات الأجنبية ذات حضور طاغٍ في المشاهد كافة.
وفي ظل العناية والاهتمام اللذين يوليهما خادم الحرمين الشريفين للغة العربية؛ كونها هوية أمة، ولغة دين، فقد كانت الإرادة الملكية أكثر من مرة تؤكد هوية الأمة: اللغة العربية، بأن تكون لها السيادة، ولها الهيمنة، في خطابنا، وحضورنا، وتمثيلنا.
وكون الخط جزءًا رئيسًا من هوية اللغة، بل هو رسالة قوة وجذب، فقد كانت الإرادة الملكية في مزيد من الاهتمام بهذا الجانب، ومنح هذا الجانب الإبداعي الفني المزيد من الاهتمام؛ فهنا مهد العربية، وهنا منطلق الإبداع العربي بأشكاله وألوانه كافة.
الخط العربي له أشكال متعددة، كنا في مراحل تعلُّمنا المبكرة نتعلم بعضها، وكان منا من أبدع.
العرب والمسلمون ابتكروا أنواعًا من الخطوط العربية، اشتُهر منها: الخط الكوفي وهو أقدم الخطوط، وخط النسخ الذي استُخدم في خط المصاحف، وخط الثلث وسُمي بذلك نسبة إلى سمك القلم، وخط الرقعة وهو أكثر الخطوط العربية تداولاً واستعمالاً، وخط الديواني نسبة إلى دواوين السلاطين، والخط الفارسي نسبة إلى فارس.
تعلم جيلنا بعضها، وأتقنها، ونسيها جيل اليوم وأعرض عنها؛ ومرجع ذلك اعتماده على الأجهزة الناسخة في كل ما يُكتب.
بهذه المناسبة أتذكر قبل ما يزيد على 25 عامًا كان لي صديق جميل الخط بشكل لافت، اسمه (سليمان الزويهري)، له طلب يحتاج توجيه أمير الرياض عليه، لكنه كانت تملكه الهيبة من سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز (أمير الرياض آنذاك)؛ فكان أن استعددت للقيام بهذه المهمة، فكتب الخطاب. وذات صباح باكر، أتذكر الساعة الثامنة صباحًا، كنت في مجلس استقبال أمير الرياض، فتقدمت إليه مسلِّمًا ومقدمًا طلب الصديق. أخذه - حفظه الله - وتمعن فيه وهو يبتسم، وقال هذا خطه؟ قلت نعم؛ فوجَّه بإنهاء طلبه، وطلب مني أن أبلغه بمراجعة الأخ عبدالله السلوم - رحمه الله -، وقال بالنص نبيه في مكتبنا.
عدت لصديقي حاملاً بشارتين: الأولى إنهاء طلبه، والثانية طلب سمو الأمير أن ينتقل للعمل في مكتبه، لكن الصدمة عندما قال: لا أستطيع العمل قريبًا من أمير الرياض!! كيف لي ذلك؟! حاولت معه لكنه كان مصرًّا على أنه سيفشل لو انتقل، فكان أن تواصل مع المرحوم عبدالله السلوم، وطلب منه الاعتذار له من سموه.
أعود لموضوع هذه المقالة وأقول: إن مدينة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بهذا المركز صارت تضم ثلاث فضائل: الأولى: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، والثانية: مجمع الملك سلمان للحديث النبوي، والثالثة: مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي.
نور على نور لهذه المدينة المنورة بنور سيد البشر، الذي جعل الله فيها من الخيرات والبركات ما جعل ساكنيها يعيشون في طمأنينة فريدة.
مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي ليس مجرد مكان فني، بل هو مركز رسالة عالمية، سيكون - بإذن لله - من مآثر هذه الدولة. وحَمْلُه هذا الاسم سيعطيه دفعة قوية للريادة والتميز.