نسأل الله -جل وعلا- أن يرفع عنّا البلاء.. على قاعدة -ربَّ ضارة نافعة- كشف لنا «فيروس كورونا» حاجتنا الماسة لإعادة تنظيم حياتنا ونظم تعاملاتنا.
استقدام العمالة من الخارج دون مسوّغ سببي أو ضرورة لازمة كدست أعدادا هائلة من الوافدين في بلادنا، غايتها الخروج من الفقر وإعالة أسرها -وهو حق مشروع-، لكنه كان على حساب أمن وسلامة الوطن والمواطنين في بعض حالاته، وهي قليل -إن شاء الله-، لاحظنا ذلك في سحب البضائع وتخزينها والتوقف عن مواجهة الطلب بهدف استثمار تزايده لرفع الأسعار، وهذا الأمر ليس قصرا ولا حكرا على الوافد فهناك من تجار الوطن من استهوته الأطماع لاستثمار الوباء، لكن الأمر الأخطر هو في ظهور الحقد والبغض من بعض الوافدين على هذه البلاد وأهلها من خلال التصرفات الخبيثة والحقيرة في الدس والغش والتسميم المتعمد، بغرض تحقيق المكاسب المادية على حساب أمن وسلامة الناس.
الاستهتار والاستهانة من قبل بعض المواطنين بالتعليمات والخطط الوطنية في مواجهة الوباء، والتي مرجعها للجهل والغباء، شكلت عبئا على الجهود الحكومية النشطة والسبّاقة لاحتوائه وحصر أضراره قدر الإمكان، كما أن عمق ومتانة العاطفة الاجتماعية الملوثة بشيء من الجهل في العلم والدين ساقت البعض للتجمع في محافل الأعراس والعزاء برغم المنع، مما أضاف عبئا أيضا على الجهود المبذولة، وإن أضفنا بعض هفوات التخطيط البلدي في المدن والقرى من ناحية التخطيط العمراني والتجاري الذي صعّب التقيد بروح التعليمات والإجراءات المتخذة في محاصرة الوباء، نجد أننا في حاجة لإعادة النظر لتطوير التخطيط العمراني والتجاري بشكل أكثر تحضرا وتناسبا مع احتمالات المستقبل والظروف الطارئة.
إن تصفية العمالة الوافدة من الكم إلى الكيف مهم وضروري، وإن توطين المهن ليس ترفا ولا محل مساومة بين التجّار والاقتصاد الوطني، كما أن السوق المفتوحة لا تعني الفوضى المتاحة، كل هذا يلزمنا البدء بإعادة النظر في كثير من أمورنا الحياتية والتنظيمية التي اعتدنا عليها، وأكثر من ذلك أن نسابق الزمن في تصويب كثير منها على ضوء ما كشفه لنا حضور الوباء وبحثنا عن أفضل السبل في محاصرته واحتوائه.
أثبتت خطط التوطين لأسواق الخضراوات والمواد الغذائية تلكؤ نجاحها وضعفه، وصار من المفيد إعادة الترتيب والتنظيم، ويبدو أن من أهم الأسباب لهذا الضعف والعجز عن النجاح يكمن في سطحية النظرة للمشكلة، سوق الخضار يبقى سوقا لنقل البضاعة من التاجر للمستهلك لكن الأهم هو مصدر السلعة، إن كان المزارع الوطني فماذا عملنا من أجل أن يوصل سلعته بيسر وسهولة للسوق بمكسب مناسب يحثه على مزيد من الإنتاج، وإن كان المستورد الوطني فما هي سياسة التوطين في نقل سلعته من الميناء للمستهلك، وأين هي الثغرات التي يدخل منها الوافد في طريق السلعة من المستورد لثلاجة المستهلك.
وأثبت انتشار النشاط التجاري وخاصة الفردي منه في السكك والشوارع والطرق مناخ الفوضى والتشرذم المتسع على أي احتواء، فهي وإن كانت من جانب تعطي مساحة أوسع لتفريق التجمعات في نقاط محددة إلا أنها من جانب آخر منافذ متاحة للسلعة الرديئة ذات المكاسب الضعيفة لكن مفيدة للوافد الذي يجد في حالات التأزم فرضا لزيادة المكاسب بأقل حذر أو حماية صحية، وبالطبع ثغرة لضعاف النفوس، وحملة الحقد للنيل من صحة وسلامة المواطن، ولو تم إعادة تنظيم مراكز الوقود، لتصبح مجتمعات تضم بقالة وصيدلية ومطعما وحلاقا ومغسلة ملابس وخدمات المركبات في مساحة لا تقل عن خمسة آلاف متر مربع، مع إلغاء نشر الدكاكين في البنايات السكنية لربما كانت النتائج أفضل، كما أن استخدام التقنية الذكية في الدفع يغني كثيرا عن وجود العمالة غير الضرورية مــن خلال مكننة مضخات البنزين، لتكون الخدمة الذاتية معينا ومساعدا لرفع الوعي لدى المــواطن وحثه على ترقية فهمه ووعيه و-بهمسة محب أقول- وترقية أخلاقه.