نعيش هذه الأيام في وسط جائحة تسمى جائحة كورونا المستجد التي أصابت دول العالم أجمع، والمملكة العربية السعودية لم تكن بمنأى عن هذه الجائحة ولم تسلم منها كغيرها من الدول، حيث تباينت الدول في مدى تعاملها مع هذه الجائحة، وكيفية إدارتها ومواجهتها لهذا الوباء، فمنها من انهارت منظوماتها الصحية، ومنها من تصارع وتعزز من إجراءاتها، ومنها من استطاعت كبح جماح هذا الوباء رغم تأثرها، ومنها من استسلمت باكراً وسلمت أمرها للغيب، ومنها من استعدت مبكراً لمواجهة هذا الوباء بوضع العديد من الإجراءات الاحترازية.
وكانت المملكة ولله الحمد بتوفيق من الله عز وجل ورحمته ومن ثم بقيادة حكيمة متعنا الله بها، في ظل مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله ورعاه- وسيدي ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- إحدى هذه الدول التي قامت بجهود عظيمة وجبارة ومتسارعة التي استعدت مبكراً لمواجهة هذا الوباء، من خلال وضع العديد من الإجراءات الاحترازية والاستباقية منذ بداية تفشي هذا الوباء حول العالم وقبل أن تصل أول حالة مؤكدة إلى المملكة، حيث تم تشكيل لجان عليا ولجان رئيسية ومتفرعة بمختلف الجهات ذات العلاقة، وذلك لمواجهة هذه الأزمة ودراستها بشكل مفصل ووضع الحلول المناسبة لتجنيب بلادنا المخاطر التي قد تطرأ لا قدر الله.
المملكة العربية السعودية قدمت نموذجاً رائعاً ومتميزاً وإنسانياً يدعو للفخر والاعتزاز حيث سبقت بإجراءاتها الاحترازية العديد من الدول المتقدمة وليس ذلك فحسب، وإنما قدمت نموذجاً يحتذى به من خلال التدرج في تطبيق الأنظمة وفرض ساعات حظر التجول وفق أوقات محددة والتدرج في تقليص العمل بالأنشطة الاقتصادية دون إلحاق الضرر، مع الأخذ بعين الاعتبار الحالات الإنسانية واستثناء بعض الأنشطة، وقبل ذلك كله القرار المهم في تعليق أداء العمرة وزيارة الحرمين الشريفين، وتعليق الصلاة في المساجد وإيقاف الطيران الداخلي والخارجي ومنع التنقل بين المدن والمحافظات. كذلك أيضاً قدمت المملكة دعماً مادياً للقطاعات المعنية لمواجهة هذه الأزمة مثل وزارة الصحة ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، كما دعمت أيضاً القطاع الخاص، وتقديم العلاج المجاني للمواطنين والمقيمين ومخالفي أنظمة الإقامة.
إن هذا المنهج حقيقة ليس بمستغرب على قيادتنا -حفظها الله- في حرصها على المواطنين والمقيمين، فمنذ عهد مؤسس هذه البلاد طيب الله ثراه حين أصاب البلاد الحمى الإسبانية في عام 1337هـ قام الملك عبد العزيز رحمه الله بدور بارز في مكافحة هذا الوباء حيث قام باستدعاء الأطباء لمعالجة المصابين دون كلفة منهم، وكان حريصاً جداً -رحمه الله- على صحة مواطنيه رغم انشغاله بحروب التوحيد وإخماد الفتن.
وهذا ما نعيشه الآن ونراه من اهتمام متواصل وحرص شديد من قيادتنا -حفظها الله- على صحة المواطنين والمقيمين، فكانت صحة الإنسان أولاً.
فمنذ انتشار هذا الوباء قامت وزارة الصحة بتكثيف الحملات التثقيفية والتحذيرية والتوعوية، وتجهيز عدد من المستشفيات في مختلف مناطق المملكة لاستقبال الحالات المصابة، وما قامت به أيضاً وزارة الداخلية في وقت مبكر بالتنبيه على المواطنين القادمين إلى المملكة أو الزائرين بضرورة الإفصاح عن جهة القدوم وذلك سعياً منها لاحتواء هذا الفيروس، كما قامت وزارة التعليم بتعليق الدراسة في جميع مناطق المملكة قبل شهرين، وسرعة توفير الدراسة عن بعد، حرصاً منها لعدم انقطاع أبنائنا وبناتنا عن حقهم في التعليم.
أيضاً العمل الدؤوب والمستمر لوزارة التجارة في جولاتها المستمرة على الكشف عن حالات احتكار وتخزين السلع، ومتابعتها الدورية على توفر جميع السلع. ولا نغفل أيضاً جهود وزارة السياحة في توفير الفنادق المخصصة لاستقبال المواطنين العائدين إلى المملكة وعزلهم فيها.
وكذلك وزارة النقل في تنظيم آلية عمل مركبات الأجرة واستخراج التصاريح الاستثنائية للشحنات وصيانة الطرق خلال أوقات الحظر، ووزارة الشؤون البلدية والقروية ممثلة بالأمانات من خلال تعقيم الطرق وحصر مقرات سكن العمالة وإعادة سفلتة بعض الطرق في أوقات الحظر.
وجهود وزارة الشؤون الإسلامية أيضاً منذ وقت مبكر في منع انتشار فيروس كورونا من خلال تطبيق عدد من القرارات الاحترازية التي طبقت مسبقاً. جميعنا رأينا وسمعنا عن الجهود المشتركة لمختلف الجهات الحكومية والخاصة، والمبادرات أيضاً من القطاع الخاص في دعم المنظومة الصحية، وهذا مما يدل ولله الحمد على مجتمع متكاتف ومترابط يشد بعضه بعضاً. هذه الجهود المبذولة والمبادرات لن تكتمل دائرتها إلا بتظافر الجهود وما أعنيه هو المواطن والمقيم، خصوصاً بعد أن صدر مؤخراً ولله الحمد قرار رفع منع التجول جزئياً، مما يعني أن الدور الآن ينصب على المواطن والمقيم، من حيث الالتزام في تطبيق التعليمات الصادرة من وزارة الصحة ووزارة الداخلية دون التهاون أو عدم التقيد بالإجراءات، من خلال البقاء في المنزل وتجنب الخروج إلا للحالات القصوى، والتأكيد على الاستمرار في منع التجمعات للأغراض الاجتماعية وكذلك التجمع في الأماكن العامة وتطبيق تعليمات وزارة الصحة.
ختاماً لا يعني بقاؤنا في المنزل أن نهمل أعمالنا وواجباتنا، وإنما يجب علينا أن نحرص على أداء العمل من المنزل بكفاءة وإنتاجية، خصوصاً أننا الآن في شهر رمضان المبارك ستكون فرصة سانحة للتقرب إلى الله واللجوء إليه وأن ندعوه أن يرفع عنا هذا الوباء إنه على كل شيء قدير.
كلنا مسؤول وبإذن الله ستعبر هذه الأزمة بسلام وستكون هذه الأيام من التاريخ الذي سنرويه لأبنائنا وأحفادنا وبكل فخر والاعتزاز عن موقف بلادنا المشرف.
نسأل الله العلي القدير أن يحمينا جميعاً من شر هذا الوباء وأن يرفعه عنا عاجلاً غير آجل وأن يشفي المصابين ويرحم المتوفين منهم.