مها محمد الشريف
اعتبر النائب في البرلمان التونسي مبروك كرشيد أن الاتفاقية التجارية الموقَّعة مع تركيا «نوع من الاستعمار الجديد»، مطالبًا الرئيس التونسي قيس سعيد بـ»اتخاذ موقف واضح منها بحكم مسؤولياته الدستورية». وعرض اتفاقيتَين جاريتَين على النواب، الأولى مع قطر، والثانية مع تركيا، ووصفهما نواب بأنهما «تنتهكان السيادة الوطنية».
وأمام هذا الواقع لا يسعنا إلا التساؤل: كيف يتولد الاستعمار؟ وكيف يتحوَّل؟ ولماذا تتعاون قطر مع تركيا لتضع لها موطئ قدم في تونس بمشروع سياسي جديد مختلف عن المشروع الاستثماري بالأراضي الزراعية، وهي تشن حربًا على ليبيا؟ من هنا فأنا لا أفكر فقط بالإجابة أو التنبؤ بما سيحدث عطفًا على المعطيات، ولكن كما دخلوا بحجة الاستثمار الزراعي لن يكونوا عاجزين عن فعل أي شيء، ولديهم أجندة وأذرع خفية، تنتظر تحركهم من الإخوان في حزب النهضة.
أما فيما يتعلق بتحديد مجال كل منهما فقد تم ذلك انطلاقًا من وجود علاقة بين إخوان تونس وأردوغان والراعي الرسمي لها (نظام قطر) بلا شك؛ فقد كان تبرير النائب التونسي بأن «رفض الاتفاقية لأنها مخلة بقواعد التكافؤ بين الدول، وفيها عملية إذعان تونسي لتركيا، ونوع من الاستعمار الجديد، ويتجلى ذلك بكل وضوح في السماح للجانب التركي بامتلاك الأراضي الفلاحية، وهي سلة المواطن، بالرغم من أن قانون تونس يمنع تملك الأجانب الأراضي الفلاحية التونسية، وإن كانت بأسماء شركات»، وليس لدخول تركيا وقطر إلى تونس وتبادل المصالح!! بل على الجميع أن يحمل هم الحقيقة في زمن صعب، وذلك يكون من خلال اقتفاء أثر الجرائم العديدة التي اقترفتها الطغمة العسكرية التركية في ليبيا وفي العصر الحديث من مجازر وإبادة وحروب. وأردوغان اليوم يمتلك من تلك الأدوات، ومعظمها لتحقيق أهدافه في الوطن العربي، وشرعت قطر عنوة في إزالة العوائق، وشراء الذمم، وتفكيك الشعوب وانقسامها، حتى تكدست لوائح هائلة بأسماء الخونة والجواسيس؛ لتمهيد الطرق لتركيا لإجراء تغييرات تدريجية، الهدف منها زعزعة الثقة بين الرئيس والنواب.
علمًا بأن الاتفاقية التجارية مع تركيا تخول للمستثمر التركي «تحويل الأموال والأرباح إلى أي دولة أجنبية»، كما قال كرشيد، وإن «هذا النوع من المستثمرين غير مرغوب فيهم».
أما الاتفاقية القطرية مع تونس، التي تم التوقيع عليها في ديسمبر 2017، فتنص على إنشاء فرع للصندوق القطري للتنمية في تونس «ولا يمكن للدولة التونسية أن تعطل بشكل مباشر أو غير مباشر المشاريع التي يشارك فيها الصندوق».
ومن ضمن هذه المصالح استقطاب أكثر من 5 آلاف تونسي للعمل في قطر كما أكد رئيس مجلس الجالية التونسية بقطر، ومنح تأشيرات عمل، واستغلالهم من خلال كدحهم.
ويمكن القول إجمالاً إن تغلغل قطر في المجتمع التونسي لدعم الإخوان، ونشر النزعات المتطرفة، أصبح يشكل خطرًا على أمن واستقرار تونس.
وتعرَّض بعض النواب لتهديدات من الإخوان لانتقادهم حركة النهضة وتركيا، بما يفسر العلاقة الوثيقة بينهما. ودون أدنى شك أردوغان لديه مطامع وأهداف معلنة؛ فهو أرسل الآلاف من الإرهابيين لقتال وتدمير الشعب الليبي؛ إذ يسعى للتسلل من تونس إلى حدود ليبيا عبر اتفاقيات مشبوهة، مثل التي يعرضونها على البرلمان، وهي محاولة تخفي هدفهم الحقيقي لتنفيذ مخططهم، ونقل الفوضى والحرب إلى شمال إفريقيا بعدما عاث فسادًا في بلاد الشام.