توطئة
القراءة والموسيقى في مواجهة كوفيد-19, والنصر المؤزر -بلا ريب- حليف أهل القراءة والموسيقى, مَن كان مِن أهلها فقد فاز في هذه المعركة التي يخوضها العالم أجمع, وآمل أن نكون جميعًا في بر الاستقرار عاجلاً.
القراءة
القراءة شأنها عظيم, وفي كتاب «ذوق الصلاة» لابن القيم, ورد أن (أشرف أذكار الصلاة القراءة, وأول سورة أُنزلت على أشرف الخلق -صلى الله عليه وسلم- افتتحت بالقراءة), وهذا تأكيد على شأنها العظيم.
الكتاب الورقي يُعتبر حالة خاصة, في ظل تعاقب الأجيال وتبدّل الأحوال وتغيّر الأمم.. إلا أن الكتاب يبقى حالة خاصة, وثمة من يجد لذّة في تصفح كتاب, وعلى سبيل المثال الدكتور عبدالله الغذامي, أستاذ النقد والنظرية في جامعة الملك سعود, يقرأ من الورق أو بشكل آخر يتعامل مع الكتاب ورقيًا, وبعض القراء وصل حد المبالغة في القراءة, أصابهم الهوس برائحة الكتب!
الاستثمار في القراءة.. يعني الاستثمار في الإنسان
نعيش زمن الأوبئة, وبإمكاننا الاتكاء على أكتاف مثل كتف القراءة وكتف الاطلاع, نعم لقد جاء وقت القراءة, وهذه فرصة للقراءة, خصوصًا لقراءة الكتب المؤجلة أو لقراءة كتب جديدة, ومن هو مبتدأ في القراءة عليه أن يقرأ مِن كُتب صغيرة المحتوى وقليلة الصفحات.. وكما يقول المثل: «أكل العنب.. حبه حبه».
القرّاء يحتاجون إلى من يَكتب لهم, وإلا لما كانوا قراء في الأساس, وفي ظل هذه الفترة العصيبة التي تعصف بنا, جراء جائحة (كوفيد-19) إلا أن لا زال النتاج الأدبي والثقافي قائمًا.. وبشكل أكبر, وهذا نقلاً من د. إبراهيم التركي, بحكم تعاملاته مع النخبة في المجلة الثقافية, لامسه هذا الشعور ونقلته هنا كبشارة.
قد يأتي أحدهم ويطرح كلمات تُختتم بعلامة استفهام, وهي: هل من الممكن أن يكتب الكاتب ليفرغ ما في داخله؟
في اعتقادي الإجابة نعم, ولكن ليس كل ما بداخله, ويكفي أنها تُحسّن الحالة المزاجية, بالإضافة إلى الصحة النفسية, لدى الكاتب وإن هذه نعمة أعتبرها وأمارسها كعادة حميدة.
الدكتور فهد العليان
الأكاديمي ومن خيرة من يمارس المسؤولية الاجتماعية, ولا يمكن هنا أن أصل إلى نقطة الختام, في هذا المقال من دون ذكره, وبما أنني أتحدث هنا عن القراءة, أود أن أقدمه كمثال ربما لا يُخفى على الجميع, يقوم بدور جبار منذ أمد طويل, في دفع الناس في عالمنا العربي إلى القراءة, وتقريبها إليهم بشتى الطرق, من خلال عرض تجارب كبار القراء كـ الغذامي والأستاذ فهد عامر الأحمدي والدكتور خالد الراجحي والأستاذ نجيب الزامل رحمه الله وغفر له.. إلى آخر القائمة, وهذا يأتي من تفعيل دور مكتبة الملك عبدالعزيز العامة, بنشر عربات ضخمة متنقلة في داخلها مكتبة, تتوفر فيها أنواع الكتب, وتتعامل مع الناس بكل سلاسة, لأن الهدف عظيم.
بين جدران المنزل طردت الملل خارجًا, استمتعت بحضور ندوة «نحو جيل قارئ « -عن بعد- أطلقتها الفهرس العربي الموحد, ضمن مبادرة «استثمر وقتك في القراءة».
هي مبادرة يُشكر عليها الجميع, وشكر خاص إلى من هو على رأس الهرم, الدكتور صالح المسند, مدير مركز الفهرس العربي الموحد, أحسن الاختيار حقيقة عندما اختار الدكتور فهد العليان, وكان بودي أن يكون الوقت أطول لأنني بحق استمتعت في السفر مع العليان, يمتلك ثقافة عالمية.. أخذ كل الحضور معه في رحلة حول العالم, من خلال نقله لمقولات وتجارب من العالم في القراءة, وأتفق مع العليان عندما ذكر بأن لابد أن يكون في أرجاء المنزل كتب, حتى ندفع كل من بالمنزل إلى القراءة, وبهذه بادرت شخصيًا بتقديم 100 كتاب في منزلنا, أخرجتها من مكتبتي إلى مكان في المنزل يُعدْ حيوي, يمر عليه الجميع.
أول مرة أعرف عن الجمعية الأمريكية للقراءة عن طريق العليان, وهو الذي عاد من الولايات المتحدة الأمريكية, حاملاً شهادة الدكتوراه في «القراءة وفنون اللغة» من كلية التربية بجامعة أوهايو.
الموسيقى
الفن يحمل بين يديه رسالة بُشرى عن المستقبل, ذلك المستقبل الذي نرجو بأن تكون صورته أفضل من تلك الصورة التي في مخيلتنا, والموسيقى لديها عصا سحرية, قادرة على أن توحّد العالم, ذلك العالم المختلف الأعراق والأجناس والأديان والتوجهات.. الموسيقى قادرة على أن تجعله يقف وقفة واحدة. بكل تأكيد الإبداع تربطه علاقة بالفن, وهذا والإبداع يجدد نبض الحياة, في داخلنا ومن حولنا أيضًا.
قال الفليسوف الصيني لاوتزه: (الموسيقى تأتي في المرتبة الثانية بعد الصمت, عندما يتعلق الأمر بما لا يوصف).
من فرنسا الاسم الغني عن التعريف.. جان بول سارتر, صاحب مقولة (قررت أن أفقد القدرة على الكلام وأن أعيش في الموسيقى).
مِن أكثر ما أعجبني من أقوال قرأتها عن الموسيقى هي (الموسيقى لغة عالمية لتبادل العواطف) وقد صدق في هذه الموسيقي العالمي النمساوي فرانز ليست.
أندريا بوت شيلي
خرج من رحم معاناة, إلى هذه الحياة, وقبل ولادته نصح الأطباء بإجهاضه, لأن في اعتقادهم سيخرج إلى هذه الحياة مُعاقاً, يعني مصاب بإعاقة, ولكن خرج وكتب قصة عصية على النسيان, وتحولّت إلى درس في كسر الإعاقة وتجاوز عقبتها.
حاز على تقدير عالمي كبير, وفي وطنه نال وسام استحقاق الجمهورية الإيطالية.
بلغ من العمر عتياً, ومع هذا صوته لا زال من أجمل الأصوات في العالم, ويعتبر صوت العالم, وجمع ما بين الإبداع والفن والجمال, أعمى صحيح ولكن قادر على جعل الناس يرون ما يراه من جمال وهو يغني.
خرج إلى العالم في ظل هذه الأزمة, بمبادرة «موسيقى من أجل الآمل» على اعتبار أن الموسيقى تمنح الإنسان الآمل, غنى من ساحة كاتدرائية ميلانو, وحيدًا بلا جمهور, ولأول مرة أرى الساحة خالية من الناس.. منظر موحش!
هذا الرجل جاء من إيطاليا, وفي اعتقاده بأن الموسيقى قادرة على انتشالنا من الجرح الذي سببه لنا كورونا, ليس بغريب أن يأتي هذا من إيطاليا, الإيطاليين شاهدتهم يغنون من شرفات منازلهم, من أجل الحياة.. من أجل غد أفضل.
نصير شمه وأصدقاؤه
صاحب تاريخ عريق مع الفن, ومِن أفضل عازفي العود على مستوى العالم, ترك بصمة له في مواجهة هذه الأزمة, عن طريق «أبوظبي للثقافة» لها كل الشكر والتقدير على مبادرتها ومنها مبادرة «الثقافة للجميع».
نعم الثقافة للجميع, ولا تعيش في برج عاجي كما يصفها البعض.
تلقيت رسالة لطيفة من زميلتي أثير, تضمّنت قطع كلاسيكية ومن مؤلفات الأسطورة الفنية وفنان اليونيسكو للسلام نصير شمه, قام بهذا العمل الفني مع أصدقائه, لـ(محاربة الألم بالأمل) على حد تعبيره, و(بيد واحدة سنصفق مع الموسيقى) كما قال.
** **
- د. فيصل خلف