د. سلطان سعد القحطاني
يمثل جيل السبعينيات الهجرية، الستينيات الميلادية وما قبلها بقليل نهضة تعليمية اتجه بعض الشباب إليها بعدما بدأت بشائر النهضة تظهر بوادرها في التعليم وسد الفراغات الموجودة في مفاصل الدولة الفتية، التي شجعت عدداً من الشياب الطموحة لمواصلة الدراسة، في الداخل والخارج، وكانت بداية التوجه إلى مثل هذه الركيزة المهمة (التعليم) التي آمن بها المسئولون في الدولة لأنها مفتاح النهضة بكل ما تعني الكلمة من معنى. فكانت البعثات إلى البلاد العربية المتقدمة علمياً، وكانت مصر رائدة في هذا المجال في البلاد العربية، ومن تتبُّعنا لهذا المجال نجد مكة المكرمة الأولى التي وجد فيها الشباب ضالتهم من أجزاء المملكة المترامية الأطراف، التي ما يزال تعليم الكتاتيب يحوز على معظم خريجيها، وأكرم بهم من خريجين، في جازان والأحساء وأبها وبعض حواضر نجد، إلا أن الدولة الفتية كانت تنظر نظرةً أبعد من ذلك وهي أسلوب التعليم الحديث، ومسايرة البلاد التي نهجت ذلك النهج، في بلاد الشام والعراق ومصر - بطبيعة الحال- التي ظهرت فيها الجامعات الحديثة، فأوفدت إليها مجموعة من الطلاب الحاصلين على الثانوية، وعددهم ليس بالكثير، ونذكر منهم، الدكتور منصور الحازمي، والدكتور عزت خطاب( المتخصص الوحيد في اللغة الإنجليزية) من جامعة القاهرة، والدكتور أحمد خالد البدلي، رحمه الله، وآخرون، أما بعض زملائهم فقد اتجهوا إلى الوظائف الحكومية، والشركات الكبيرة، وفي مقدمتها أرامكو، في ذلك الزمن، وحصل النابغون منهم على مراتب عالية في مجال البترول، وغيره. كان أولئك من الذين حظوا بتعليم مبكر أتيح لهم، فماذا عن أبناء المناطق التي وصلها التعليم الحديث بعدهم؟، وتمكنوا من اللحاق بهم في وقت متأخر إلى حد ما، لكن روح الطموح عند هؤلاء لم تقف العقبات الكثيرة في طريقه لتقتل طموحه، وهنا مربط الفرس، فمن رعي الغنم في قمم الجبال، وقلة الفرص إلى تحقيق الطموح بقوة الله. فلو عددت سِير من مروا بتلك العقبات وذللوها لاحتجت إلى مجلدات قد لا تفي بحقهم، ولأن جيلي قد لحق على بعض منها إلا أن منطقة الأحساء لا تقارن بطبيعة وتضاريس جبال السروات وصعوبة تضاريسها في ذلك الزمن، إلا أن بعض الظروف الحياتية قد تتفق معها أحياناً فقد مشينا مسافات ليس بالقصيرة إلى المدرسة. ومن هذا الجيل العتيد الذي ضحى بكثير من مصالح الدنيا لتحقيق هدفه، سعادة الدكتور سعيد بن عطية أبو عالي، الذي وفَّبين رعي الغنم في جبال بلاد غامد وبين الدراسة، سيراً على الأقدام في ظروف مناخية غاية في الصعوبة ليصل إلى المدرسة، بين الشعاب والقرى، حتى نال الشهادة الابتدائية، ليتعين بها مدرساً مثل أقرانه في ذلك الزمن، وأشهد لله أن بعضهم درسني في الابتدائية، وهو لم يحمل مؤهلها، وكان عنده من العلم وحسن الخط، والروح التربوية والقيادية ما لم يوجد عند كثير من حملة الشهادات العليا في زمننا هذا (مع تقديري للجميع)، ولم أزل أذكر من درسني في السنة الأولى بروح أبوية وعلم غزير، الأستاذ عبد الله المرابيع، من الهفوف، ومدير المدرسة المربي الفاضل الحازم، عبد المحسن المديرس، وغيرهما كثير. وكان أبو عالي وأمثاله في بداية النهضة سيحصل على بعض المزايا، مادياً واجتماعيًا، لو أنه اكتفى بما حصل عليه, لكنه ضحى بها وبالوظيفة كي يتعلم تعليماً عالياً بدأه بالدراسة منتسباً للمرحلتين، المتوسطة والثانوية، لكن طموحه لم يقف عند هذا الحد، فترك الوظيفة مدرساً وربما إدارياً، في سبيل إكمال دراسته الجامعية في مكة المكرمة. وللحديث بقية.