محمد عبد الرزاق القشعمي
وجدت السفير بوزارة الخارجية - سابقاً - الأستاذ/ جميل محسن عبد الوهاب قنديل، كثير التردد إلى مكتبة الملك فهد الوطنية، فلاحظ ذلك مسؤول المجموعات العامة بالمكتبة، أنه يحضر مبكراً فيطلب كتاباً أو أكثر فيجلس حتى الظهر فينصرف بهدوء، جاذبه أطراف الحديث فعرف أنه كان يعمل سفيراً للمملكة في أكثر من بلد، وهو الآن متقاعد، ومرافق لابنته التي تدرس في جامعة الملك سعود، فهو يوصلها للجامعة صباحاً وينتظر خروجها ظهراً، وحتى يستفيد من وقته فضل أن يقضيه في المكتبة، وهكذا قابلته وتحدثت معه بعض الوقت وشرحت له دور المكتبة في (تسجيل التاريخ الشفهي للمملكة) ودعوته للتسجيل معه في (الاستديو) فرحب، وكانت المقابلة ولأكثر من 6 ساعات في أيام 15-17-9-1421هـ.
قال إنه ولد بجدة بتاريخ 29-6-1352هـ، وفي السابعة من عمره التحق بمدرسة الفلاح ودرس فيها المرحلتين الابتدائية والثانوية، يذكر من أساتذته: محمد عبده مدرس اللغة العربية والمطالعة، وحسن إدريس مدرس الحساب، وأنعم ناصر مدرس القرآن، ومدير المدرسة الشيخ أحمد النشار.
يذكر أن أول دفعة تخرجت من المدرسة في عام 1943 فابتعثت لإكمال دراستها في مصر، وعددهم 9 أشخاص على حساب ممول المدرسة (بيت آل رضا وزينل).
ومنها جاءت فكرة إرسال دفعة أخرى من الطلاب بعد إنهائهم المرحلة الابتدائية إلى مصر على حساب أهاليهم وعددهم اثنا عشر طالباً هو أحدهم. وكانت رحلتهم على الباخرة الشهيرة (تالودي) وهي باخرة حجاج والتي استغرقت ثلاثة أيام من جدة إلى السويس، استقبلهم بالميناء من سبقهم بالدراسة المتقدمة يذكر منهم الوزيرين السابقين: أحمد محمد صلاح جمجوم وحسن نصيف، أخذوهم إلى القاهرة بالقطار، وأنزلوهم في دار البعثات السعودية، وفي اليوم التالي أخذهم المهندس الزراعي أسعد جمجوم إلى الزقازيق ليدرسوا في القسم الداخلي بالمدرسة الابتدائية.
أخذهم بعد ذلك عبد الوهاب عبد الواسع إلى مدرسة طنطا الثانوية - القسم الداخلي- ومعهم طلاب من السودان واليمن (عدن).
وقد ذكر أن الملك عبد العزيز آل سعود عند زيارته لمصر عام 1944 ولقائه الطلبة السعوديين، وأن رئيس طلبة البعثات السعودية عبد الوهاب عبد الواسع أخبر جلالته بأنه له أبناء صغار في الزقازيق، وقال إن الملك حضر، وأقيمت الزينات والاحتفالات بالزقازيق، وكان حضور الملك بالقطار، وقد اختصرت إقامته في خيمة كبيرة (صيوان) مدة أربع ساعات. وقد حضر الطلاب السعوديون للسلام عليه وأخذ صور تذكارية معهم.
بعد اجتيازه السنة الرابعة ثانوي انتقل إلى المدرسة الإبراهيمية الثانوية بالقاهرة، ليحصل على الشهادة التوجيهية قسم أدبي.
التحق بعدها إلى كلية الآداب قسم العلوم الاجتماعية - بجامعة القاهرة - ليحصل على شهادة ليسانس آداب (بكالوريوس) يونيو 1959م.
عاد للرياض وكان يرغب أن يكون مدرساً بالمراحل الأولى، لأن أهم دراساته كانت في علم النفس وبالذات الطفل من بعد الولادة حتى عامه العاشر.
ولكن مقابلته للأستاذين: عبد الوهاب عبد الواسع والدكتور أحمد علي، أقنعاه بالتوجه إلى وزارة الخارجية واطلاعه على إعلان بطلب خريجين جامعيين للعمل بوزارة الخارجية بجدة. التحق بها في 3-3-1959م وتنقل في السفارات السعودية التالية:
1 - بغداد عام 1960م.
2 - الوزارة بجدة عام 1961.
3 - الكويت عام 1962.
4 - باريس عام 1965.
5 - الوزارة عام 1968.
6 - بيروت عام 1971.
7 - الوزارة عام 1976.
8 - ياوندى (الكمرون) لثلاثة أشهر عام 1977.
9 - اسطنبول (انتداب) لمدة شهرين 1977.
10 - كومنكري (غينيا ) من عام 1977 إلى 1979.
11 - الوزارة، مديراً لإدارة الأرشيف العام والبريد السياسي من عام 1979 وحتى 1999م ليحال على التقاعد برتبة سفير.
قال إنه أمضى مديراً للأرشيف العام والبريد السياسي من عام 1399هـ حتى نهاية عام 1404هـ بالوزارة بجدة. انتقل بعدها مع الوزارة إلى الرياض في 15-12-1404هـ حتى 29-6-1420هـ ليحال على التقاعد، وعمره 67 عاماً.
يذكر أستاذه المربي والمشرف على القسم الداخلي بمدرسة الزقازيق بمصر محمد رضوان الذي ترك في نفسه وجميع زملائه أثراً كبيراً. وكذا الأستاذ حسن السيد مدير مدرسة طنطا الثانوية الذي أصبح فيما بعد وزيراً للمعارف عام 1955م.
ومن أساتذته الذين يعتز بهم بالجامعة الشيخ محمد أبو زهرة والقاضي السنهوري وخلال عمله بالخارجية وهو في المرتبة الخامسة عشرة بمرتبة سفير ومديراً للأرشيف والبريد السياسي، تتلمذ على يد أستاذ اللغة عبد الفتاح عبد الفتاح عوض ولمدة ست سنوات، حصل على درجة جيد جداً في العام الأول وحصل على ممتاز في بقية السنوات. واستمر معه حتى انتقل وأعيدت خدماته إلى القاهرة واستلم رئيس قسم اللغات بجامعة القاهرة.
وقال إنه عندما عاد إلى المملكة من جولة حول العالم بعمله بسفارات المملكة على مدى عشرين عاماً من 1960 إلى عام 1979م، تولى إدارة الأرشيف العام والبريد السياسي لعشرين عاماً أخرى، وقال إنه قد استنفد جميع وسائل تمديد الخدمة بعد الستين حتى بلغ سن السابعة والستين.
وقال إنه قد عمل معه خلال الفترة الأخيرة مجموعة من السفراء الحاليين والوزراء المفوضين ويعتبرهم ويعتبرون أنفسهم من تلاميذه، وذكر منهم:
1- السفير عبد العزيز المشاط، آخر عمل له وكيل الوزارة للشعبة القنصلية.
2- السفير بدر بخش، سفير المملكة حالياً في طرابلس بليبيا.
3- السفير أسامة كردي، مدير إدارة أمن السفارات السعودية.
4- السفير على جعفر، سفير حالياً بإحدى الدول الإفريقية.
5- السفير محمد الحمود الرشيد، سفير حالياً في لشبونة بالبرتغال.
6- السفير عبد العزيز عابد الثقفي، سفير ومدير الشؤون المالية.
7- المستشار عبدالله عبد الهادي، مدير عام فرع وزارة الخارجية بالدمام.
8- الوزير المفوض فائز الرشيد، مدير عام الإدارة الإفريقية.
وقال إنه قد اختار عمله الأخير (الأرشيف والبريد الدبلوماسي) بوزارة الخارجية بجدة وباشر عليه عام 1399هـ، وبدأ يداعب زملاءه من خلال الشعر (الحلمنتيشي) كما يطلق عليه بمصر والحجاز. وسماها كتابة المعلقات: وصف لأداء لكل موظف من الموظفين الرسميين من جامعيين، وحملة شهادة معهد الدراسات الدبلوماسية بدرجة تعادل الماجستير، وأصبح يعلقها على الحائط، وتطورت المعلقات وتطور معها -كما يقول.
فأصدرها كتعميم وبدأ يرسلها في البريد الدبلوماسي إلى كل ممثليات خادم الحرمين الشريفين في الخارج، حتى أنه كتب عن موظف واحد من الموظفين الخمسين التابعين لإدارته ما بلغ عدده (210) معلقة، وقال إن الموظف لا يبقى لأكثر من عام، بل يوجهون إلى إدارات أخرى، ويأتي بدلاً عنهم! وقال إن هذه المعلقات أصبحت مطلوبة في جميع السفارات السعودية في الخارج.
وقد طلبت منه نماذج من تلك القصائد، فوعدني، وفعلاً بعد أيام سلمني مظروفاً به ملخص لسيرته ومجموعة مما ذكره من المعلقات وعددها (25) قصيدة.
بعد سنة أي نهاية عام 1422هـ انقطع عن زيارة المكتبة، فلعل ابنته التي كانت تدرس بالجامعة قد انتهت دراستها، وعاد إلى جدة. متعه الله بالصحة والعافية إن كان ما زال حياًً وهو ما أرجو، وغفر الله له ولنا إن كان قد رحل إلى الآخرة.