عبدالعزيز مهدي العبار
يظن الكثيرون أن مصطلح التباعد الاجتماعي بدأ في أواخر عام 2019 مع ظهور وتفشي جائحة كورونا المستجد والمسمى علمياً كوفيد-19 ولكنه مصطلح قديم جداً وقد تم استخدامه في القرن الرابع عشر وذلك قبل حوالي 700 سنة مضت.
بعد انتشار الطاعون في عام 1348 ميلادي والمسمى علمياً Bubonic plague والمسمى أيضاً الموت الأسود، قتل الوباء في ذلك الوقت في أوروبا وحدها أكثر من نصف سكانها، وقد تم استخدام العديد من التدابير لمكافحة العدوى ومن أهمها التباعد الاجتماعي في الممارسات اليومية وتطهير الأسطح والأماكن العامة. فلقد ساعدت هذه التدابير في الصحة العامة، تشكل أوربا الحديثة والتي تعتبر الأكثر نظافة بين دول العالم، السؤال الذي يطرحه الكثير من الناس الذين يزورون أوروبا ولا يجدون له جواباً علمياً دقيقاً وينبهرون بنظافة الطرقات والأماكن العامة والمرافق الحيوية ولا يعرفون أن تاريخ منطقتهم مر بجوائح قتلت الملايين من البشر بعض طرق العلاج تم تدوينه والبعض الآخر لم يلتفت له حتى ونعت أصحابها بالجنون والهرطقة بسبب التعقيدات في المفاهيم ورفض المتدينين والمحافظين لبعض أساليب العلاج في وقتها ومن أهمها استخدام اللقاحات والتباعد الاجتماعي.
رغم اختلاف علماء الصحة العامة في مسافة التباعد الجسدي بين الشخص والشخص الآخر، إلا أنه ومنذ ذلك الوقت تعتبر مسافة 6 أقدام مسافة كافية للحد من انتشار العدوى، والمتأمل في ثقافة المجتمع الأوربي والأمريكي، يجد أنهم في الأصل يطبّقون مبدأ التباعد الجسدي قبل جائحة كورونا، وذلك في التسوق وفي تباعد المنازل والأحياء عن بعضها البعض وتخطيطها العمراني ومكان وضع المخلفات، بل الأغلبية لا يرمون بقايا أكل، حتى لا تأتي بعض الحيوانات حول منازلهم وتأكل منها وتنقل بعض الأمراض والفيروسات على عكس ما هو مشاهد في بعض الدول العربية.
التباعد الاجتماعي نجح في الحد من انتشار الأوبئة السابقة في أمريكا وتحديداً في مدينة سانت لويس في عام 1918 خلال جائحة الإنفلونزا H1N1 virus والمعروفة أيضاً بالإنفلونزا الإسبانية وقتها تم إغلاق المدارس وحظر التجوال والتجمعات العامة، حيث كانت سرعة انتشار العدوى وأعداد الوفيات في العالم عالية جداً وبلغت أكثر من 50 مليون شخص في مختلف الأعمار، وكان الحجر الصحي والنظافة الشخصية الجيدة واستخدام المطهرات وفرض القيود على التجمعات العامة أحد أبرز التدابير في الصحة العامة التي قضت على تلك الجائحة.
واليوم، يعود مصطلح التباعد الاجتماعي مرة أخرى ويصبح هو حديث الساعة ومتصدر عناوين الأخبار وأسئلة الأبحاث بين مشكك ومؤيِّد لمسافة التباعد الجسدي ولا يمكن لأي شخص مهما بلغ في العلم أن يتوقّع متى سيتخلَّص العالم من هذه الجائحة بسبب تحور هذا الفيروس المستجد.