د. محمد عبدالله العوين
في مثل هذه الظروف الصعبة التي يعيشها العالم باجتياح كورونا مائتين وثمانية بلدان، وإصابته أكثر من ثلاثة ملايين وقتله أكثر من مائتي ألف من البشر وسرعة الانتشار التي يتميز بها بملامسة الأسطح الملوثة بدون عوازل طبية، مجرد ملامسة وكأنه سم ينتقل عن طريق مسام الجلد، أو استقبال رذاذ العطس أو الكحة أو حتى ما تنتجه الرئتان من رذاذ غير ملحوظ في أثناء الحديث بمسافة تقل عن مترين، أو المصافحة أو العناق أو تقبيل الأنوف أو الخدين أو ملامسة جزء من جلد المصاب؛ ألا توجب كل هذه الحيثيات أن نكون حذرين قلقين قلقاً إيجابياً من خطر العدوى والإصابة بهذا الفيروس الخطير؟!
قد يعترض معترض يدعي الشجاعة أو يزعم البطولة فيقول: إنك تغرس الخوف في نفوس الناس، وتنشر الرعب بينهم، وتضعف التوكل على الله، وتدعو إلى شيء من اليأس! إن الشجاعة والبطولة والثقة في النفس ليست في مثل هذه الحالة؛ هذه شجاعة وإقدام وثقة في النفس أقرب ما تكون إلى الحماقة والاندفاع وتعريض النفس لخطر نسبة حدوثه تقترب من 100 % إن اقتحم الشجاع المتهور التجمعات ولم يلتزم بارتداء الأقنعة ولبس القفازات وخالط مجموعات تتعامل مع الخطر مثلما يتعامل؛ لأنهم يفتقدون الوعي العميق بما يترتب على الإصابة من تداعيات صحية قد تنتهي بصاحبها إلى الموت.
وفي ثقافتنا الشعبية مثل يقول: من خاف سلم، وهذا هو عين الصواب الذي أدعو إليه، فالخوف هنا خوف إيجابي، والوسوسة التي أدعو إليها وسوسة صحية مطلوبة، وهي نتاج ثقافة وثمرة وعي وحصيلة متابعة لتطورات هذا الوباء وما يوصي به الأطباء والمختصون من توصيات لا يختلف العقلاء على أن الأخذ بها مأخذ الجد واتباعها بدقة هو طريق السلامة والنجاة - بإذن الله.
الوسوسة هنا لا تلتقي مع الفوبيا أو الوهم المرضي أو القلق الناتج عن وهم تلبس المرض؛ أبداً، فهذه حالات مرضية نفسية، بينما الوسوسة وعي صحي محمود، وحذر واجب، وتطبيق عملي لنصائح المختصين والحكماء والمعنيين بمتابعة انتشار الوباء في وزارة الصحة؛ كما يوصي المتحدث الرسمي في إيجازه اليومي.
الوسوسة تقي - بإذن الله - الموسوس وعائلته، أما الشجاعة المزعومة فقد تودي بالبطل المتهور وعائلته، فما أكبر وأعظم وأجل وأنبل وأوفي هذا الحذر في الشخصية الموسوسة العظيمة التي تستحق كل الاحترام.
إن رأيت في طريقك موسوساً، أو دخلت سوقاً فوقفت خلفه وأبعد عنك أربعة أمتار لا مترين، أو رأيته يلبس قفازين لا واحداً، أو يحمي أنفه بلثامين لا لثاماً واحداً، أو (يغسل) يديه بمطهر عند الدخول وقبل الخروج من السوق أو يبتعد عن الكاشير بمسافة بعيدة يوشك ألا يسمعه البائع، أو وجدته صامتاً لا يكاد ينطق؛ خوفاً من الرذاذ غير الملحوظ فأد له التحية، ولا يداخلك من أمره العجب أو السخرية؛ فهذا والله من المثاليين الساعين إلى نجاة أنفسهم وعوائلهم، أكثر الله من سوادهم في مجتمعنا!