أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: كل كتاب (البحر المحيط) الذي ألَّفه الإمام الفحل أثير الدين أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن حيان الغرناطي الأندلسي (654- 745هـ) الإمام الظاهري الفحل -رحمه الله تعالى، ونور ضريحه-.. أقول كل هذا الكتاب من فواتح الخير، ومن العلم الدقيق المحقق، وأول السورة الكريمة قوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ}؛ فقال في تفسيره: نداء إقبال وتشريف وتنبيه بالصفة على عصمته مما يقع فيه من ليس بمعصوم.. {لِمَ تُحَرِّمُ} سؤال تلطف؛ ولذلك قدم قبله {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} كما جاء في قوله تعالى: {عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} (سورة التوبة/ 43). ومعنى {تُحَرِّمُ}: تمنع، وليس (هو) التحريم المشروع بوحي من الله؛ وإنما هو امتناع لتطييب خاطر بعض من تحسن معه العشرة.. {مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ }: هو مباشرة مارية جاريته (رضي الله عنها)؛ وكان صلى الله عليه وسلم ألمَّ بها في بيت بعض نسائه؛ فغارت من ذلك صاحبة البيت؛ فطيب خاطرها بامتناعه منها، واستكتمها ذلك؛ فأفشته إلى بعض نسائه.. وقيل: هو عسل كان يشربه عند بعض نسائه؛ فكان ينتاب بيتها لذلك؛ فغار بعضهن من دخوله بيت التي عندها العسل، وتواصين: أن يذكرن له على أن رائحة ذلك العسل ليس بطيب، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا أشربه). ولـ(الزمخشري) هنا كلام ضربتُ عنه صفحًا، كما ضربتُ صفحًا عن كلامه في قول الله سبحانه وتعالى: {عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} (سورة التوبة/ 43). وكلامه هذا ونحوه محقق قولي فيه:
ويعزو إلى المعصوم ما ليس لائقا
فيثبت موضوع الأحاديث جاهلا
(وكل ذلك مباح شرعًا بفضل الله)؛ فلو حرم الإنسان على نفسه شيئًا أحله الله كشرب عسل، أو وطء سرية: (لكان ذلك امتناعًا عن شيء مباح له من أجل شيء آخر مباح له؛ وليس هو اعتقاد لحرمته؛ وذلك مباح بفضل الله سبحانه وتعالى). واختلفوا إذا قال لزوجته: أنت علي حرام، أو الحلال علي حرام، ولا يستثني زوجته؛ فقال جماعة، منهم (الشعبي)، و(مسروق)، و(ربيعة)، و(أبو سلمة)، و(أصبغ): هو كتحريم الماء والطعام، وقال تعالى: {لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ} (سورة المائدة/ 87)، والزوجة من الطيبات، ومما أحله الله. وقال (أبو بكر)، و(عمر)، و(زيد)، و(ابن عباس)، و(ابن مسعود)، و(عائشة)، و(ابن المسيب)، و(عطاء)، و(طاووس)، و(سليمان بن يسار)، و(ابن جبير)، و(قتادة)، و(الحسن)، و(الأوزاعي)، و(أبو ثور)، و(جماعة): هو يمين يكفرها. وقال (ابن مسعود)، و(ابن عباس) أيضًا في إحدى روايتيه، و(الشافعي) في أحد قوليه: فيه تكفير يمين، وليس بيمين. وقال (أبو حنيفة)، و(سفيان)، و(الكوفيون): هو ما أراد من الطلاق، فإن لم يرد طلاقها: فهو لا شيء. وقال آخرون: كذلك، فإن لم يرد فهو يمين. وفي (التحرير) قال (أبو حنيفة)، وأصحابه: إن نوى الطلاق فواحدة بائنة، أو اثنين فواحدة، أو ثلاثًا فثلاث، أو لم ينوِ شيئًا فيمين وهو مؤول، أو الظهار فظهار. وقال (ابن القاسم): لا تنفعه نية الظهار ويكون طلاقًا. وقال (يحيى بن عمر): يكون؛ فإن ارتجعها، فلا يجوز له وطؤها حتى يكفّر كفّارة الظهار؛ فما زاد من أعداده فإن نوى واحدة فرجعية، وهو قول (الشافعي). وقال (الأوزاعي)، و(سفيان)، و(أبو ثور): أي شيء نوى به من الطلاق وقع، وإن لم ينوِ شيئًا؛ فقال سفيان: لا شيء عليه، وقال (الأوزاعي)، و(أبو ثور): تقع واحدة، وقال (الزهري): له نيته، ولا يكون أقل من واحدة؛ فإن لم ينوِ فلا شيء (عليه)، وقال (ابن جبير): عليه عتق رقبة وإن لم يكن ظهارًا، وقال (أبو قلابة)، و(عثمان)، و(أحمد)، و(إسحاق): التحريم ظهار؛ ففيه كفّارة. و(قال الشافعي): إن نوى أنها محرمة كظهر أمه: فظهار أو (نوى) تحريم عينها بغير طلاق، أو لم ينوِ: فكفارة يمين. وقال (مالك): هي ثلاث في المدخول بها، وينوي في غير المدخول بها؛ فهو ما أراد من واحدة، أو اثنتين، أو ثلاث. وقاله (علي)، و(زيد)، و(أبو هريرة).. وقيل: في المدخول بها: ثلاث.. قاله (علي) أيضًا، و(زيد بن أسلم)، و(الحكم) - رضي الله عن كل من ذكر آنفًامن الصحابة، والتابعين، وتابعي التابعين.. إلخ-.
قال أبو عبدالرحمن: لهذه النصوص زيادة تحقيق وتدقيق في لقاء عاجل -إن شاء الله تعالى-. والله المستعان.