خالد الربيعان
الأمور أصبحت معقدة، وداعاً للبساطة ! شعار العالم منذ بداية هذا العام -2020- العجيب جداً !، الرعب يسيطر، العبثية واللامنطقية، الشك أصبح بطل اللحظة، قل الحقيقة بالحرف مع التسليم باستحالة أن يصدقك أحد، والناس -مع الأسف- عندهم كل الحق، التوجُّس والريبة يسيطران، فخلف كل خبر لابد أن تبحث عما خلف الكواليس، وما الدافع، ومن المستفيد، ستصل بعد كل ذلك لبعض الحقيقة.. ربما !
الشغل الشاغل لقيادات الرياضة حول العالم ومن خلفها القيادات السياسية ومتخذي قراراتها: هو كيفية الرجوع، إعادة الأمور كما كانت، وتكلمنا الأسبوع الماضي حول صعوبة ذلك في وجود كورونا - كوفيد 19! - في ألمانيا الجميع بانتظار رأي وقرار المستشارة، أنت تعرفها جيداً.
في فرنسا الكرة أصبحت في ملعب القيادة السياسية، بحركة «افتكاك للكرة» أي أن الحكومة الفرنسية اعتبرت استئناف الدوري «شأن حكومي»، رئيس الوزراء هناك قالها صريحة، لن ننظم أي حدث يستلزم وجود جمهور يزيد عن 5 آلاف شخص حتى شهر سبتمبر القادم، رسالة واضحة صارمة «السلامة أولاً - لن تكون هناك مباريات بدون جمهور- الأمور ترجع بكامل طبيعتها أو لا».
في إنجلترا الأمور كما قلت لك معقدة، غداً اجتماع «المساهمين ومُلاَّك الأندية والمشاركين والراعين»، إن شئت قل «المتضررين مالياً»، وهم يشكِّلون ضغطاً كبيراً على الحكومة البريطانية، وعلى رابطة الدوري، التي بدورها لا تريد خسارة أموال البث التليفزيوني في حالة إلغاء البريمرليج، مبلغ لا تستهن به، 762 مليون باوند «3.5 مليار ريال» !
هنا تجد مصلحة مشتركة بين «رابطة الدوري الإنجليزي»، وأصحابنا «المتضررين»، فتوحدوا في جبهة شكلت ضغطاً قوياً على الحكومة البريطانية: نتج عنه ما اصطلحوا عليه هناك بـ»مشروع إعادة التشغيل» Project Restart ، بآليات وأفكار كما قلت لك الأسبوع الماضي «ساذجة/ جشعة».
هذه المرة تتضمن خطة «الريستارت» إقامة الـ«92» مباراة المتبقية في ملاعب مجهزة باحتياطات السلامة من الوباء، التدريبات في الأندية ستقام بشكل مختلف وأكثر حرصاً ومشقة على كل لاعب !، 4 مليون باوند قيمة أجهزة اختبار كورونا الفورية للاعبين بشكل دوري للتأكد من سلامتهم أولاً بأول.
لا تنس أنك تريد إلزام اللاعبين بالحرص في كل حركة، وعند الاحتفال بتسجيل الأهداف، لا أعلم كيف وسط الانفعال بتسجيل الهدف والمجهود البدني والعقلي مع ظروف نفسية كهذه: يسجل فيرمينو هدفاً -مثلاً- ثم يقف مكانه ثابت الأعصاب بضغطة زر، وعلى بعد متر يبتسم له ماني وصلاح -من بعيد- ثم ينظر ماني لصلاح مع ابتسامة ونظرة حماسية وتبادل عبارات التشجيع القوية مع الحفاظ على مخارج الحروف كي لا يخرج أي رذاذ من أحدهما ليؤذي الآخر بكوفيد 19!
لا مصافحات، انس مبادلة القمصان، اللعب بالكمامات والقفازات، ممنوع تمرير زجاجات المياه والمشروبات من لاعب لآخر، كل «طفل» معه كيس فيه «ساندوتشاته وزجاجة مياهه» !
العبث لم ينته، فرئيس لجنة الصحة في الفيفا خرج علينا بتصريح -سيريالي- يقول إنه من الصعب جداً السماح بعادة «البصق» -أجلكم الله- من اللاعبين، فالكريات اللعابية قد تحمل الفيروس ولعدة ساعات على أرض الملعب، مع اقتراح - عبقري ! - لإنذار أي لاعب بعد أي بصقة، وأنت -عزيزي- تعرف جيداً منذ كنا أطفالاً في الحارة أن كرة القدم لا تكتمل إلا بهذه العادة، المدافعون تحديداً وأصحاب الجرينتا كالسيد راموس والسيد فان دايك وآخرين، بصقتان تعني كارت أحمر ؟!، أنتم تجعلون حياتنا جحيمًا، العبوا كرة القدم بالروبوتات أفضل !
كل هذا لا تنسى بدون جمهور، المهم المليار باوند، الأسهم، حافظ على سهمك عزيزي الرأسمالي، وإن تطلب الأمر قتل البشرية.. جمعاء !
بالنسبة للدوري السعودي، أقول لمن يهمه الأمر: افعل عكس الجميع، اعتبر الأخوة في إنجلترا «مجانين»، نظام تشغيل الكومبيوتر الخاص بك امتلأ بالفيروسات، هل الـRestart أو «إعادة التشغيل» معناها رجوع كل شيء كما كان ؟ لا !، الحل المنطقي هو إزالة/ ذهاب الفيروس أولاً، الخسارة المادية وإن كان تحمُّلها صعباً، إلا أنها أهون من الخسائر البشرية.
الأولوية هي السلامة والصحة، تفادي الخطر ثم يليه البحث عن المنفعة، الأمن قبل أي شيء، أي طرف له مصلحة مادية لا تراعي حياة الآخرين: لا يُعَوَّل على آرائه ووجهات نظره، لأنه في خانة العدو لا الصديق، تماماً ككوفيد 19 !.