إنَّ الشريعة الإسلامية حكيمة ومنظمة ومتلائمة مع المتغيرات، ويظهر ذلك في صور كثيرة، منها: أنها علّقت أحكام بعض تصرفات الفرد على حكم الطبيب المختص، حتى في صلاته التي هي عمود الإسلام؛ فربما ترك ركن السجود في الصلاة، وأومأ إيماء بسبب توصية الطبيب له بأن يحافظ على عينه التي يُبصر بها، وربما ترك المسلم القيام في الصلاة مع قدرته عليه لنهي الطبيب له، وربما أفطر في رمضان لتخوُّف الطبيب عليه.
ومنها: أن دين الإسلام أمرنا بأوامر تتعلق بحقوق الآخرين، كالإحسان إلى الوالدين، وصلة الرحم، وإكرام الجار، وكف الأذى في الطرقات.. وجاءت هذه الأوامر عامة، ولم تخصص بصورة من الصور؛ ليدخل في امتثال الأمر صور تتجدد وتتغير بحسب تغيُّر الأحوال والعوائد وتجدُّدها.
إننا اليوم نعيش في حال مختلفة وجديدة. وهذه الحال أثرت في أحكام بعض التصرفات؛ فما كل ما كان مباحًا قبل بقي مباحًا بعد جائحة وباء كورونا، وخصوصًا بعدما أفاد المتخصصون في علم الطب والخبراء بحركة الفيروسات وتنقُّلها بأن الاجتماع وتقارب المتباعدين مظنة لنقل العدوى، وأوصوا بالبقاء في البيوت، وعدم الخروج إلا للضرورة، ووجهوا بأخذ أسباب التحرز عند الخروج.
ولم يتوقف عمل الجهات الصحية على ما سبق؛ بل رصدت حركة المجتمع، وقيَّمت المخاطر المترتبة على عدم التزامه بالتوجيهات، ورفعت التوصيات إلى مقام ولي الأمر؛ فوجَّه -حفظه الله ورعاه- بتوجيهات متتابعة، منها: الحظر الكلي في مدن عدة، والنهى عن الخروج إلا للضرورة.
إنَّ الخروج من البيوت ومخالطة الآخرين أذى، يلحقه المخالف بالجهات المعنية التي ترصد وتحاصر وباء كورونا، وتحد من انتشاره، كما أنه مظنة أذى يلحقه بالآخرين. قال صلى الله عليه وسلم: «أعطوا الطريق حقها». قالوا: وما حق الطريق؟ قال: «غض البصر وكف الأذى...» الحديث، رواه البخاري ومسلم.
لقد نهانا ولي الأمر عن الخروج من البيوت إلا للضرورة، وفي وقت محدد، وأناط لجهات حق استثناء المحتاج وتقدير الحاجة؛ ولهذا فإن الخروج للترفيه والترويح، وغيرهما مما لا يدخل في الضرورة والحاجة المقدرة، محرَّم؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}، وقال صلى الله عليه وسلم: «من يعص الأمير فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله» رواه البخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: «إنما الطاعة في المعروف» رواه البخاري. قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: «المعروف هو ما ليس بمعصية؛ فيدخل فيه المستحب والواجب والمباح؛ كله معروف، مثل: الأمر بعدم مخالفة الإشارة في الطريق؛ فعند إشارة الوقوف يجب الوقوف؛ لأن هذا ينفع المسلمين، وهو في الإصلاح، وهكذا ما أشبهه» أ.هـ (مجموع فتاوى ومقالات متنوعة) (7-123). وقال الشيخ صالح الفوزان: «حكم مخالفة ومعصية ولاة أمور المسلمين فيما ليس بمحرم ولا معصية: محرم شديد التحريم؛ لأنه معصية لله ورسوله صلى الله عليه وسلم» أ.هـ ([الأجوبة المفيدة] ص138-139).