من أعظم مقاصد الشريعة حفظ الضروريات الخمس التي لا بد منها لقيام مصالح الدين والدنيا، وبدونها يختل نظام الحياة، أو يشق على الناس مشقة شديدة لا تحتمل، ويفوتهم في الآخرة النجاة والنعيم.
والضروريات الخمس التي جاءت الشريعة بحفظها وعدم التعدي عليها هي: (حفظ الدين، والنفس، والنسل، والعقل، والمال) وقد شرع الإسلام أحكاماً تفصيلية كثيرة، تؤدي بمجموعها إلى الوصول إلى هذا المقصد، وهو حفظ تلك الضروريات.
واستشعاراً من المملكة العربية السعودية بأهمية حفظ النفس الإنسانية من هذا الوباء والمسمى بـ(كورونا) الذي يفتك بالنفس البشرية اتخذت المملكة جملة من الإجراءات الاحترازية، هذه الإجراءات منها ما هو على المستوى العالمي وذلك بتكثيف الجهود الدولية لمكافحة فيروس كورونا ومحاربة هذا الوباء عالمياً وذلك من خلال استجابة المملكة للنداء العاجل الذي أطلقته منظمة الصحة العالمية لجميع الدول والرامي إلى تكثيف الجهود من أجل اتخاذ إجراءات عالمية لمحاربة انتشار هذا الفيرروس.
وفي اللقاء الذي ترأسته المملكة العربية السعودية لمجموعة الدول العشرين أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - سلَّمه الله-. في كلمته التي ألقاها في هذا الاجتماع أن بلاده تؤكد دعمها الكامل لمنظمة الصحة العالمية وتنسيقها للجهود الرامية إلى مكافحة فيروس كورونا الجديد. وشدَّد الملك -حفظه الله- على ضرورة تنسيق استجابة موحَّدة لمواجهة جائحة كورونا وإعادة الثقة في الاقتصاد العالمي، وأن مسؤولية السعودية ومن معها من الدول هي مساعدة الدول النامية والأقل نمواً لتجاوز أزمة كورونا وتبعاتها.
واستشعاراً من المملكة العربية السعودية بأهمية حفظ النفس الإنسانية من هذا الوباء كانت المملكة من أول الدول التي سارعت لمد يد العون والمساعدة إلى أكثر الدول المتضرِّرة من الفيروس؛ لمواجهته والقضاء عليه، ورفع المعاناة عن الشعوب المنكوبة.
وهذا كله نابع من حرص القيادة الرشيدة على حفظ النفس البشرية الذي هو أحد مقاصد الإسلام وأحد الضروريات الخمس التي لا بد منها في حياة البشرية جميعاً
أما على المستوى الداخلي فنجد أن قيادتنا الرشيدة اتخذت حزمة من القرارات الاحترازية السديدة لمواجهة هذا الوباء قبل وقوعه على أراضيها، فأمرت مواطنيها وجميع الرعايا الموجودين على أراضيها بالبقاء في منازلهم مع العناية بهم وتقديم الخدمات لكافة شرائح المجتمع المحتاجة في هذه الظروف الاسثنائية وكذلك تقديم كافة التسهيلات للمصابين وعلاجهم حتى المخالفين لنظام الإقامة شملهم عطف ورعاية ولي الأمر -حفظه الله- وذلك بالكشف عليهم وعلاجهم على نفقة المملكة حرصاً منه على صحة وسلامة الإنسان دون تمييز كل ذلك حفاظاً على سلامة المواطنين والمقيمين في المملكة.
إن هذه اللفتة الإنسانية من الملك المفدى تجسد اهتمامه الكبير بسلامة وصحة من يعيش على أرض الوطن المبارك بصرف النظر عن أوضاعه وظروفه، وأيضاً من ضمن هذه القرارات والإجراءات الاحترازية قامت المملكة بتعليق العمل في جميع الدوائر الحكومية، باستثناء قطاعات محدودة، وتعليق رحلات السفر الدولية من وإلى السعودية، ومنع الزيارات إلى الحرمين الشريفين، وفرض شروط للسماح للمواطنين السعوديين بالعودة من خارج المملكة، وتعليق الدروس في المدارس والجامعات، وإغلاق الأسواق والمجمعات التجارية وغيرها من الإجراءات التي قد تساعد في الحد من انتشار الوباء.
هذه الإجراءات الاحترازية والصحية، والتي جاءت وفق توصيات الجهات الصحية المختصة بشكل دقيق وكذا توصيات منظمة الصحة العالمية. حققت نتائج مبهرة بعد توفيق الله وفضله في عدم ازدياد عدد الإصابات والوفيات جراء هذا الوباء مقارنة ببعض البلاد المتقدمة.
إن تلك الإجراءات التي قامت بها المملكة شهدت بصحتها النصوص الشرعية المتكاثرة، ويتحقق بها مقصد كلي من كليات الشريعة وهو الحفاظ على النفس، إذ يجوز لولي الأمر اتخاذ التدابير الاحترازية اللازمة لمنع أسباب البلاء العام، لا سيما عند تفشي الأمراض الوبائية.
إننا جميعاً مطالبون بالوقوف صفاً واحداً خلف قيادتنا الرشيدة في مواجهة هذا الوباء وذلك بالالتزام بالقرارات التي يأمر بها ولي الأمر تجاه هذه النازلة التي أصابت العالم أجمع حتى تمر هذه المرحلة بسلام. علينا جميعاً تحمّل مسؤوليتنا المجتمعية بالحفاظ على سلامتنا وسلامة الوطن.
ولا أنسى في هذا المقام أن أتقدّم بالشكر والتقدير لخط دفاعنا الأول، أعني العاملين في القطاع الصحي من الكوادر الطبية كافة، من أطباء وممرضين ومسعفين وإداريين وفنيين، الذين أبدعوا وقدَّموا التضحيات في خدمة المجتمع ومتابعة هذا الوباء، ولا يزالون يعملون على مدار الساعة. باذلين أقصى جهودهم وطاقتهم لحماية وخدمة كل إنسان يعيش ويعمل على أرض المملكة حريصين على سلامة المجتمع بكل فئاته وتوفير بيئة صحية آمنة. حفظ الله بلادنا وقادتنا من كل مكروه وسوء.
* * *
- الأستاذ بكلية التربية بجامعة المجمعة