د. محمد بن إبراهيم الملحم
التعليم كمعرفة محضة بات أمرا ميسورا من حيث كونه معلومات يتلقاها المتعلم ويحفظها وربما تنشأ لديه نسبة من الفهم تزيد أو تنقص بحسب ظروف الموضوع سهولة وصعوبة ومدى توفر ظروف الفهم الجيد من معلم متمكن ومقرر متطور، لكنما هو لا يتعدى هذا المستوى النسبي ولا يصل إلى درجات الإتقان والتمكن التي ينتج عنها الإبداع والابتكار اللذان يمثلان القيمة الجوهرية للتعليم وأساس الهدف الاقتصادي له، ويعود ذلك بالنسبة لبعض المواد المهمة كالعلوم مثلا إلى عدم تفعيل المختبرات بما يمكن المتعلم من المعرفة ويجعله يتماهى معها ويستوعبها في التصور الصحيح لها، لتظل كثير من المعلومات مصاغة بخيال المتعلم فقط الذي ربما لا يصل إلى 70% من المعنى الفعلي المعلومة، بل ربما قدمت له المعلومة بالشرح النظري اعتمادا على فهم أستاذه لها بطريقته هو أيضا والذي ربما لم يوفق في دراسته العامة أو الجامعية إلى استخدام المختبر مرات كثيرة أو بكفاءة عالية (وهذا حال كثير من طلاب الجامعات أمس واليوم: معلمين اليوم والغد!) لتظل المعلومات لديه في نطاق التخيل الذاتي والذي يصنعه تصوره الشخصي للموضوع، وهذا التصور هو محصلة خبراته وثقافته التي ربما لا توصله إلى أكثر مما يصل إليه أي طالب أيضا!
معضلة أخرى هي نقص كفاءة التدريس في المختبرات الجامعية حيث تكون الحصص العملية غالبا بعد الظهر حينما يكسل الجسد ويكل العقل وتتراخى القوى، ودع عنك ضعف مستوى بعض المعيدين أوالمحاضرين وحتى بعض الأساتذة الجامعيين في شرح وتحليل التجارب العلمية وتقديمها بذائقة ونكهة تطبيقية تجعل من المعلومة النظرية ذات معنى. المختبرات في المدارس الثانوية مهملة تقريبا ولن نتحدث عن المرحلة المتوسطة، كما نخجل من التفوه بكلمة واحدة عن مختبرات المرحلة الابتدائية التي لا تتمكن كلمة «بائسة» من التعبير عنها... وإني هنا لا أشير إلى تقصير في إنشاء المختبرات كغرف أو تهيئتها بالتجهيزات اللازمة مع أن هذا مجال حديث خصب أيضا، ولكني أشير إلى أن تلك المدارس التي توفرت لها مختبرات شبه متكاملة لا تكاد تستعمل إلا قليلا، وتستطيع أن تشير بالبنان إلى معلم أو اثنين في هذه المدرسة الثانوية أو تلك اشتهر عنهما من بين زملائهم معلمي العلوم أنهم يفعّلون المختبر ويحسنون استخدامه (نسبيا طبعا) وهذه مشكلة بحد ذاتها، ويصعب اتهام كل المعلمين لأن فاقد الشيء لا يعطيه، أقصد أني أظن شبه جازم أن هناك عددا كبيرا منهم يطمح أن يأخذ طلابه إلى المختبر باستمرار ولاسيما إنك تلمح على وجوه الطلاب استحسان ذلك وشغفهم للتعلم عن طريق العمل، بيد أنهم هم أنفسهم (أقصد المعلمين) لا يملكون الكفايات اللازمة لتفعيل المختبركما ينبغي، فهم لم يُدرَّبوا في الجامعة بما فيه الكفاية في هذا الجانب كما أن وزارتهم التي يعملون بها الآن لا تلقي لهذا الأمر بالا فتدربهم وتستدرك ما فات من الأداء نحو إعداد هؤلاء المواطنين كمعلمين متمكنين يخرجون أجيالا جديدة أكثر تمكنا في استخدام المختبر والتعامل معه، هذه القيمة ليست على أجندة الجهة التي يعملون فيها، ولا تهمها كثيرا. على الأقل هذا ما يبدو..
ربما يقول لي أحدكم وماذا عن تجهيز المختبرات بما فيه الكفاية لحسن التطبيق وكذلك توفير مختبرات في كثير من المدارس التي لم تتوفر بها؟ سأتحدث عن ذلك لاحقا وكذلك عن الوسائل والورش ولكل مجال خصب فابقوا معنا.