مها محمد الشريف
وجود إجماع سياسي دولي قوي يعترف منه 30 دولة بـ»الإبادة الأرمنية» من بينها فرنسا وألمانيا وبلجيكا ولتوانيا وبلغاريا وهولندا وسويسرا واليونان والأرجنتين وأوروغواي وروسيا وسلوفاكيا والنمسا، وفي الوقت ذاته قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب في ذكرى إبادة الأرمن، إنه «منذ عام 1915 تم ترحيل وتهجير وقتل 1.5 مليون أرمني»، في إشارة إلى المجازر التركية بحق الأرمن، وأكد بأن العالم «يتذكر الأرمن وجميع الذين عانوا في الكارثة الكبرى». و»نعد بأن نأخذ العبرة من دروس الماضي حتى لا تتكرر تلك الأحداث».
فعندما تعترف الدول والمنظمات الدولية بالإبادة الجماعية يعني ذلك وجود الحاجة إلى اتخاذ إجراءات سياسية وقانونية، وكما حدث فقد اعتمد مجلس النواب الأميركي بأغلبية ساحقة القرار رقم 296 والذي يقضي بالاعتراف بقيام تركيا بارتكاب مجازر وإبادة جماعية ضد العرق الأرمني في تركيا وما حولها أوائل القرن العشرين، وقد جاء التصويت بموافقة 405 نواب لصالح القرار و11 ضد.
بمعنى أن الحبل بدأ يلتف أكثر حول عنق تركيا لتثبيت اتهامها بأنها قامت بالإبادة، بعد التطورات الدولية بالتصريحات عن الأرمن، فمعظم الوجوه اليوم على سيماها علامات الضيق من أردوغان وما يفعله في ليبيا وسوريا يترجم تلك الانتهاكات في ليبيا بإرسال سوريين مواليين لتركيا للقتال، ويحمل أيضاً على كاهله مسؤولية تدهور اقتصاد بلاده وزعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط، فهو لم ينجح في التحليق أعلى ثم أعلى ليبتكر تلك الاستعارات والتشابيه المعقدة لخلق تأثير جديد، فالرجل لم يتوقف عن فكرة الإبادة الجماعية في كل الأحداث الدائرة في مخيلة رجل واحد يمثِّل حكومة وبرلمانات ومؤسسات عسكرية ومدنية، طور فيها مفهوم الخطابات السياسية والقانونية الدولية التي تغطي على القومية والاضطهاد والعرق.
رغم أننا تخطينا الجدال العقيم حول اعتراف تركيا بالإبادة أو لا، فإن الواقع اليوم يشير إلى دور مهيمن بقوة في الميل لحصر الإبادة الجماعية للأرمن وغضبة أوربية وأميركية كبرى على الدور المخرّب الذي يقوم به أردوغان تركيا على صعيد الاستقرار العالمي، وكثير من المطالبات بإنهاء عضوية تركيا في حلف الناتو، الأمر الذي تغلغل في صناعة القرار ووصف الحالات بمجازر جماعية للتطهير العرقي ليكون الاعتراف رسمياً بما ارتكبته الدولة التركية بحق الأرمن، والمصنّفة كأول إبادة شهدها القرن العشرون، عن مقتل ما يقارب 1.5 مليون أرميني على يد العثمانيين، بتقدير جهات عديدة من الشعب الأرميني.
لم يقدم أردوغان غير خطابات جماهيرية تستثير عواطف الشعوب كعادته في كل حدث سياسي يكرر القول بنفس النمط والأسلوب: «أخاطب الرأي العام الأميركي والعالم بأسره: هذه الخطوة التي اتخذت لا قيمة لها ولا نعترف بها»، ويجد المرء نفسه مضطراً إلى التساؤل عن الأسباب التي ينبغي أن تُطرح لماذا لا تعتذر تركيا عن الإبادة عوضاً عن التقلّبات والتمويه وتعويم الأحداث؟ لم يقدِّم أردوغان صورة جديدة عن تاريخ بلاده تختلف عن القديمة، فهو أثَّر كثيراً في نقل صورة مأساوية عن إبادة الأرمن وتبعها بأعمال إجرامية عديدة أقلها دعم لا محدود للمليشيات الإرهابية.