رقية نبيل
في الفيلم المصري «ألف مبروك» من بطولة فنان الكوميديا والدراما «أحمد حلمي»، تطالعنا حكاية شاب يضج بالحيوية والآمال، لديه فتاة أحلامه، ولديه زفاف قريب يخطط له ولديه وظيفة مرموقة يحسده عليها عشرات الشباب غيره، ولديه أيضًا أمٌ وأب وأخت لا يكاد يدري عنهم شيئًا، تمرّ أحداث الفيلم لنكتشف أنه عالق في دوامة زمنية مدتها أربع وعشرون ساعة، تنتهي في كل مرة بموته ليُعاد اليوم ذاته بكل تفاصيله وكل أحداثه دون أيما تغيير في الصباح التالي، يحاول البطل الخروج من هذا المأزق الزمني، يحاول الفرار والسفر دونما جدوى، حينها يبدأ بملاحظة أحداث اليوم المكرر، ويهتم للمرة الأولى في حياته بحياة شخص ما غيره، فيلاحظ تصرفات مريبة من والده ووالدته وأخته، يفاجأ أن الأب اختلس من مال عمله، وأن الأم تتعاطى عقارًا خطيرًا، وأن أخته مغرمة بشاب تحادثه على الإنترنت، ويجن جنونه من عائلته الغريبة التي اكتشفها لتوه، ومع مضي الأحداث تتضح له الحقائق المحزنة أخيرًا فيظهر أن سبب اختلاس والده إنما هو لسداد ديون زفافه، ويعرف أن والدته مصابة بالسرطان وأن الشاب الذي يحادث أخته ما هو إلا صديقه المقرب، وينتابه الذهول ويتعجب من غفلته عن كل هذه الأمور المهمة، أين كان؟ ما الذي كان يشغله؟ أي عالمٍ عاش فيه طوال عمره دون هؤلاء الأناس المقربين منه والبعيدين في الوقت نفسه جدًا عنه!!
أشعر أن فيروس كورونا قد وضع العالم أجمعه في هذه المصيدة الزمانية، صار كل يوم يشبه الذي قبله، وتلاشت كل الملهيات التي لطالما ازدحمت بها حتى آخر ثانية أوقاتنا، العمل والتسوق والمولات والسفر والأصدقاء والعائلة الكبيرة التي حرمنا تجمعاتها اليوم، لم يعد هناك سوى أنت في بيتك ووسط أقرب الناس إليك، زوجك وبنيك.
لعلها تكون فرصة إذًا لنعيد اكتشافهم، بعيدًا عن عملٍ كان حرفيًّا لا يترك لنا مجالًا للتفكير في أي أمرٍ آخر، بعيدًا عن دراستهم ونزهات الصحب التي لا تنتهي، بعيدًا عن اجتماعاتك ورفاقك، هاهم الآن، بين يديك، تراهم صباح مساء، تنظر في عيونهم وتراقبهم عن كثب، هذه فرصة قد لا يجود بها الزمان مرة أخرى، استثمرها ما استطعت ولا تدع الوقت يتفلت من بين يديك سوى.