د. عبدالرحمن الشلاش
في مجالس كثيرة وعبر لقاءات تسمع الكثير من النقد للآخرين. الآخرون هم الناس الذين يعيشون على هذه الأرض ويمشون في الأسواق ويملؤون الشوارع ويتحركون في كل اتجاه. كل هذه الأعداد من البشر عرضة للنقد من الكل. الكل ينقد الكل. عندما تسمع في كل جلسة أو لقاء نقدًا للجميع واتهامهم بعدم الوعي تسأل نفسك من هو الواعي ومن هو غير الواعي؟ هل من ينتقدون الآخرين هم من يتمتعون بأعلى درجات الوعي, وغيرهم ليس لديهم وعي وهم سبب كل مشاكل الحياة! إذا كانت كل هذه الأعداد الغفيرة التي تكتظ بهم المجالس والاستراحات والملتقيات وحتى عبر البرامج الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي وعبر الندوات والمحاضرات وفي الاجتماعات هم من يتمتعون بأعلى درجات الوعي ما جعلهم يملكون الأحقية المطلقة بنقد الناس وتسليط الضوء عليهم وتشريح تصرفاتهم فمن هم الأشخاص غير الواعين حتى كأننا أمام مجتمع واع 100 %!
إذا سلَّمنا بهذه النتيجة الباهرة، رغم أنها لا تتسق مع طبيعة المجتمعات ووجود الجيد والرديء والمميز وغير المميز والنادر والمكرر في أي مجتمع على وجه الأرض حتى في أكثر الأزمنة نقاءً وصفاءً وأنه لا يوجد على أرضنا من لا يتمتع بالوعي، فمن هم الذين يقطعون الإشارات ومن هم الذين يتجاوزن حدود السرعة لدرجة التهور وإرهاب الناس في المدن والطرق السريعة، ومن هم الذين يسرقون ويغشون ويكسرون الأنظمة ويعتدون على الممتلكات، ومن هم الذين يرتشون ويشغّلون العمالة غير النظامية، ويقفون في المواقف غير الصحيحة، ومن هم الذين يتأخرون في تسديد ما عليهم من ديون ويرتكبون الموبقات ويغشون في الاختبارات ويشترون الشهادات من الجامعات الوهمية!
ما زلت أبحث عن غير الواعين الذين يمارسون أسوأ السلوكيات. من يمارس النفاق والخيانة والكذب والظلم والعنف والشغب والفوضى والتأليب والتحريض؟ سلوكيات وتصرفات لا حصر لها هل هي نتاج ما تفعله كائنات قادمة من خارج كوكب الأرض، لذلك لن نجد الشخص غير الواعي، وأن الجميع ما شاء الله يتمتعون بأعلى درجات الوعي حتى أصبحنا مجتمعاً مثالياً خالياً من العيوب!
أذكر أنني في إحدى المرات وأثناء وجودي في أحد المولات وجدت شخصاً أعرفه من تقاسيم وجهه يعنِّف أحد العمال! هذا الإنسان كان في جلساته كثيراً ما ينتقد الآخرين ويصفهم بقلة الوعي، أدركت وقتها أننا نعاني من الانفصام التام بين القول والفعل، وأنك ستصدم عاجلاً أو آجلاً بمن كنت تتوقَّع أنهم في قمة الوعي يتصرّفون وكأنهم مراهقون صغار!