لا شك أن الإشاعة ظاهرة نفسية اجتماعية قديمة، وليست وليدة اليوم.. وقد تطورت هذه الآفة المجتمعية مع شدة رياح التحولات الاجتماعية والتحديات الثقافية وظهور شبكات التواصل الاجتماعية الحديثة التي سهلت نقل هذه (البضاعة الرخيصة) وانتشار فيروساتها مع الحملات العسكرية والأزمات الصحية والكوارث والأوبئة.. ولخطورة الشائعات على البناء الاجتماعي ومكوناته.. حظيت باهتمام كبير من العلماء والباحثين في العلوم الاجتماعية الذين أكدوا أن الشائعات تنتشر أكثر في وقت الأزمات والكوارث والحروب وانتشار الأوبئة والأمراض في العالم، وحين يكون هناك تعتيم إعلامي، أو غموض اجتماعي. كونها من أخطر الحروب المعنوية والنفسية التي تنمو في ظل أجواء مشحونة بعوامل متعددة.. تشكل البيئة الخصبة لسريانها وتحقيق أهداف مطلقيها ومروجيها، بقصد تضليل الرأي العام وإثارة الفتنة والخوف والقلق الاجتماعي، وتفكيك وحدة الصف المجتمعي، وخلخلة توازن الروح المعنوية، وبخاصة فيما يتعلق في انتشار الأوبئة والأمراض مثل ما يشهده العالم اليوم من انتشار.. مرض (فيروس كورونا الجديد) الذي أصبح وباء عالمياً قذف الرعب في قلوب منظمة الصحة العالمية!!.
والأكيد أن انتشار فيروس كورونا (عالمياً) رافقه مجموعة من (نظريات المؤامرة) وأخذ المولّعون بهذه النظرية ينسجون القصص الخيالية والسواليف البوليسية ويربطون ما بين الأحداث السياسية والاقتصادية فهناك من يدّعي أنها الحرب الجرثومية وأن الفيروس (كوفيد 19) ما هو إلا نتاج صناعة بيولوجية وتم إطلاقه لتدمير الاقتصاد الصيني الذي ينافس الاقتصاد الأمريكي, وهناك من معتنقي (نظرية المؤامرة) وأصحابها القابعين في الظلام.. من يلتقط خيط الحديث ويؤكد أنهم تجار الشركات الدوائية ومصانع اللقاحات الذين يحاولون كسب المال وزيادة أرباحهم بالمليارات من أموال المجتمعات التي تعاني من انتشار هذا الوباء عبر خلق حالة من القلق والرعب والخوف بواسطة وسائل إعلامهم المسيطرة على أنظمة تلك الدول الغربية..!!! وهناك من ينشر معلومات كاذبة, وبيانات باطلة، وأرقام مظلة عن هذه الجائحة لإثارة الرعب والهلع عند الناس.. وعندما تسألهم كيف عرفتم ذلك يقولون المنطق يقول ذلك أو مصدر معلوماتهم (وكالة يقولون).!! للأسف ادعاءات باطلة وتخمينات أشبه بقصص تافهة تفتقد للدليل والمصداقية والحجج العلمية, ولذلك مثل هذه المزاعم المؤامراتية أو الشائعات المغرضة التي تطلقها فئة تعاني -في الواقع- من الخواء الفكري والفراغ النفسي، ومرض الكراهية والأحقاد لمروجي الشائعة ومعتنقيها.. التي تعشق اختلاق القصص وفبركتها في بث وإطلاق بالون الشائعات البغيضة لأهداف مكشوفة ومآرب مفضوحة..!! ومعها اتسعت دائرة المولّعين بنظرية المؤامرة الذين ينطلقون من ثقافة.. (القيل والقال) وبث الشائعات المغرضة من قبل البعض, خاصة مع كثرة وسائل التواصل الاجتماعي التي تعد أرضاً خصبة وبيئة ملائمة لرواج الشائعات ونقل الأخبار الكاذبة وتمرير المعلومات المغلوطة التي تزيد من حالات الخوف النفسي والقلق الاجتماعي والرعب بالذات كل ما يتعلق بهذه الجائحة وآثارها.. يلجأون إليها مع الأسف بقصد خبيث أو بحسن نية بحثاً عن زيادة المتابعين في المواقع الإلكترونية.!! لا تنطلي على أصحاب الفكر والعلم والوعي المجتمعي بل يعتنقها ويصدقها العامة من الناس لأسباب متعددة, ومعروف أن هذه الحرب القذرة (الإشاعة) التي يصّدرها معتنقو نظرية المؤامرة والمولعون بها.. تستهدف العقل والفكر والخيال والوجدان، بوصفها مرضاً خطيراً وظاهرة فتاكة تدمّر المجتمعات وتهدد شعوبها.. بالذات مع انتشارها واتساع نطاقها.. ولذلك فإن المامرة (الحقيقية) هي أن الشائعات (أخطر) بكثير من جائحة كورونا التي تتمحور حولها، والتحليلات غير المنطقية لهذا الفيروس وربطها بأمور لا أساس لها من الصحة, كونها تحد من الجهود الاحترازية والإجراءات الوقائية التي تتخذها الجهات المعنية في وطننا الغالي من أجل (أمننا) الصحي المجتمعي، وهنا يتجلى دور وسائل الإعلام الحديثة والتقليدية في نشر الأخبار الصحيحة، ونقل الحقائق الدامغة.. وبخاصة وقت الأزمات والحروب والأوبئة، والتصدي لكل شائعة لدحضها وضبطها، برفع سقف الشفافية والموضوعية، والنهوض بقالب (الوعي) المجتمعي.