د. خيرية السقاف
آن للقطار أن يقف..
محطة تلوح وهو مسرع في اتجاهها..
أنوار محطة انطلاقه تلاشت فقد طال المسار..
لم يوهن نحو اتجاهاته، الطريق طويل..
لا أضواء إلا ما كان مصدرها جوفه المفعم بزيتها، المتقد بفتيلها..
المسار طويل طويل، تعرج به، ويستقيم حينا..
يهبط نحو أعماق، ويرتفع نحو آماد، حمولته التي يكتظ بها، يحط بها في كل نقطة إفراغ، طريقه الطويل اختفت فيه الأضواء كثيرا، والإشارات غالبا، وفيه أشرقت شموس في نهارات حثِّه ومكابدته، وأنارت فيه أقمار في ليال لهاثه، وغربته..
احتوى مروجاً خضراء فألقى إليها ببذور حمولة، نزل بمساحات صحراء دلق إليها بمؤونة سقياه، رمال في كثبانها تلمع ببريق جذوته، وجبال قابلته كالطود لم تثنِ فيه عزيمته..
لم يعبأ بأشباح الطريق، ولم يبخل على عابري الطرقات..
مصابيح نوافذه تُلهم الصمت الكلامَ، وأبخرة قهوته ترسم لساعاته الأحلام،
شذى الأعشاب في دروبه وحيُه بالحكايات، ومحابر مشكاته زوادات لشحذ مساراته..
القطار مضى، ويمضي..
وقد اقترب من محطة الوقوف..
أنوارها أشاعت فيه حركة الاستعداد..
يتجه الآن نحوها بهدوء..
هنيهة ويؤوب إليها..
* * *
رفقاء الحرف الخلَّص الأوفياء..
حتى مسار آخر للقطار..
أستودعكم الله بهذه السطور من رحلة القطار، وإلى أن تأذن صافرته بعودة بعد استراحة
لرحلة آتية بمشيئة الله تكونون معه الزاد، والوقود، والشمس والقمر..