إيمان حمود الشمري
لأن لدينا ذاكرة سريعة العطب، كورونا هي ليست الأولى وليست الأخيرة، ولكننا بحاجة لذاكرة جديدة أكثر اتساعاً لا تستوعب الصدمات فقط، وإنما تستوعب الحكمة منها أيضاً.
(ستمر وكأنها لم تحدث) عبارة تناولها الكثيرون عبر تطبيق الواتساب، ولكنها تحمل أبعاداً أخرى غير الأمل!! ستمر ونعود للتذمر من زحمة السير.. يالها من أمنية في الوقت الحالي، الزحمة ليست أزمة سير في هذه الظروف وإنما حياة.
ستمر ونضيق ذرعاً بإلحاح رنين جرس المنبه المتواصل الذي يوقظنا للدوام، ستمر ونردد كلمة (ملل) وننسى أن الخروج للشارع كان يتطلب منا إذناً وتصريحاً.
نحتاج لأرشفة هذه الأحداث ووضعها في جزء حصين من الذاكرة نظراً لقيمتها الثمينة. تعلمنا أن ننسى أحزاننا وكان يجب أن نتعلم أن نحتفظ بها في رفوف مرتفعة كي نتناولها وقت الحاجة. ذاكرتنا المؤلمة أشد أهمية من تلك السعيدة لأنها هي من تعلمنا وتعطينا دروساً تربوية نبدو بها أنضج وأكثر حلماً وصبراً وأقل تذمراً.
سجلنا التاريخي سطر نوائب كثيرة لا نتكلف حتى بالاطلاع عليها، وديننا يهيئنا لتلقي الصدمات كتدريب للنفس (اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم)، ولكننا اعتدنا على النعمة والترف وأصبحت عاداتنا بديهيات في وقت كانت به أمنيات.
سنة جوع مرت على الجزيرة العربية، وسنة جراد، وسنة الجدري، والطاعون، وسنوات عجاف مرت! وفيات وضحايا، وقلة أمطار ومحاصيل تلتها ولائم تمتدر بأناقة مفرطة وهدر دون خجل. سنة حرب الخليج وأزمة غذاء وخوف وصواريخ وكمامات ضد الغاز الكيماوي، يفترض أن تجعلنا نفكر بأننا يجب أن نتغير!
إن لم نخرج من جائحة كورونا بدرس يهذب أنفسنا وسلوكياتنا ويجعلنا نعيد حساباتنا، فإنني أخشى أن تكون بالفعل مرت وكأنها لم تحدث!
على رف الذاكرة وضعْت مجلد كورونا 2020، سوف أتناوله يوماً ما عندما تحاصرني ملهيات الحياة وأبدأ بالتذمر، أنا لا أريد أن أمسح ملفاتي القديمة بحجة أنني لا أملك مساحة كافية من الذاكرة، وإنما سأجعل منها أداة لقياس ردود أفعالي تجاه النعم التي تحيطني في وقت الرخاء. وأنت أيضاً احتفظ بالماضي لأنك قد تجد فيه المستقبل.