د. عبدالرحمن الشلاش
قبل ظهور مواقع التواصل الاجتماعي كانت الفئات الأكثر حضوراً فئات العلماء والأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات، وكان التقدير والاحترام لكل من لديه علم أو ثقافة أو تخصص يسهم من خلالها في خدمة وطنه. كانت الأولوية تعطى لأهلها فكان لهم الحضور والشهرة والمعرفة. كانوا ملء السمع والبصر رغم أن كثيرين منهم لا يحبون الأضواء ويزهدون في الشهرة من واقع ثقتهم بأنفسهم وما يمتلكون من قدرات فليسوا بحاجة لمن يضعهم تحت الأضواء ويمجدهم، لكن مع ذلك ظل قدرهم أن يكونوا في المقدمة لسبب واحد وهو أن المستوى الفكري لجيل ذاك الزمن عالي جداً لا يرضى بالمحتوى الهزيل ولا الطرح الضعيف. كان لكل شيء هيبة، لذلك من المحال أن يتخطى حواجز الهيبة القوية مهرج أو جاهل أو تافه أو ساذج. كانت صفوف المقدمة محجوزة للعلماء والأدباء والمثقفين وأهل العلوم والفنون، أما من لا يملك المقومات فمكانه في الخلف إن وجد مكاناً يجلس فيه. تراتيب الحياة جاءت لتكون قمة الهرم إلى الأعلى وقاعدته للأسفل استجابة لمطالب جماهير واعية مدركة.
بعد مواقع التواصل ظهر من يسمون السنابيين، معظمهم لا يملك سوى جهازه الجوال وبضاعته محتوى سطحي يقدمه لمن يتابعونه من محدودي الثقافة والفارغين، ونظير هذه الإنجازات الخارقة لشلة السنابيين الأفذاذ تصدروا كل المشاهد وقلبوا كل المعادلات، وجعلوا قاعدة الهرم في الأعلى وقمته في الأسفل. استحوذوا على كعكة الإعلانات، وأصبحت الدعوات توجه لهم لحضور المناسبات وتغطيتها. رغم سلوكيات معظمهم غير الجيدة إلا أنه استمر تقديمهم على أنهم مشاهير المجتمع ونجومه!
صدق هؤلاء الذين وصفهم معظم الناشطين مشاهير الفلس، صدقوا أنفسهم مع بدايات أزمة كورونا فكانوا أول من سعى إلى خرق الأنظمة بدلاً من أن يكافئوا المجتمع الذي أكرمهم ورفع مكانتهم.
في الأزمة برز النجوم الحقيقيون قولاً وفعلاً، الأطباء والممرضون ورجال الأمن والجنود المرابطون على الحدود والعلماء في المختبرات ليقوموا بأدوار وطنية رائعة، وأعمال جليلة، بينما توارى مشاهير الفلس والمضمون الضحل عن الأنظار، فليس لديهم ما يقدمونه وربما سقطت آخر أوراقهم اليابسة بعد قرار أن يكون لكل جهة سناب خاص بها يغطي جميع نشاطاتها ليحل بدل الإثارة الممجوجة، والتجاوزات الفاضحة.
بعد كورونا بإذن الله هل سيعاد ترتيب فئات المجتمع ليكون أهل العلم والاختصاص في المقدمة ويرحل ما يسمون مشاهير غير مأسوف عليهم؟