عبدالوهاب الفايز
تحدثنا الأسبوع الماضي حول أهمية تحقيق الجودة والعدالة في التعليم الإلكتروني، ونواصل اليوم الحديث حول أهمية استثمار الخدمات الصحية الإلكترونية (بما تحتاج إليه من بناء القدرات البشرية، والتقنية، وتوافر البنية التحتية لشبكات النطاق العريض)؛ حتى يتحقق ما نتطلع إليه، ونحرص عليه، وهو: الجودة والعدالة في سرعة وصول خدمات الرعاية الأولية والأساسية، مع إعطاء الأولوية للمناطق النائية.
والحمد لله، إن مبدأ العدالة هو القائد لأعمالنا، ورأينا في الأزمة الحالية كيف تم تقديم الخدمات والرعاية والكشف والعلاج للمواطن والمقيم بدون تمييز وتأخير، حتى المقيمون غير النظاميين شملتهم الخدمة، ورأينا الطواقم الطبية تذهب إليهم، ولا يسألونهم عن وثائق؛ المهم الكشف عليهم، وهذا هو الوجه الإنساني لبلادنا الذي نعتز به، ونسعد عندما نراه يتحقق واقعيًّا.
لا شك أن الخدمات الصحية في بلادنا قبل الأزمة الحالية كانت تواجه تحديات رئيسية، وبعد انجلاء الغمة أجزم بأن الحكومة سوف تتدخل بقوة لترتيب هذا القطاع ودعمه لمواجهة تحدياته العديدة، مثل نمط الحياة الذي نعيشه، وقلة الكوادر البشرية الطبية، والتكلفة المهدرة نتيجة ضعف الآليات الإدارية المطبقة للمتابعة على الإنتاجية للموارد البشرية نتيجة الإقبال الكبير على العمل في القطاع الخاص. والأزمة الحالية كشفت أمورًا عديدة، إيجابية وسلبية، (وخصوصًا سكن العمالة وممارساتها غير النظامية). والحمد لله إن مساحة الإيجابية هي الأكبر، بالذات تصدي الكفاءات السعودية لإدارة أزمة كورونا.
السؤال الكبير الذي ينتظرنا هو: كيف نقدم الخدمات الصحية بالجودة والشمولية التي نتطلع إليها، بخاصة للمناطق النائية؟
كما ننتظر من معطيات (الحقبة الرقمية) أن تخدمنا في التعليم الإلكتروني؛ لعلنا نكون أول المستفيدين من الثورة الرقمية في المجال الصحي.
نحتاج إلى الخدمات الرقمية لتحقيق العدالة أولاً، ولترشيد النفقات الرأسمالية التشغيلية المتصاعدة. قبل الأزمة كانت القناعة لدى الحكومات بأهمية الخدمات الرقمية شبه غائبة، أما الآن فهي تفرض أهميتها.
في الأزمة الحالية، ومنذ سنوات، قدمت ثورة التقنيات الرقمية في عدد من الدول حالات عملية لأهميتها في مجال التعليم الصحي في المناطق المعزولة؛ فالعاملون الذين يقطعون المسافات سيرًا على الأقدام لساعات أصبحوا يتلقونه من منصة رقمية لتعليم صحة المجتمع. والأمم المتحدة نبهت الحكومات إلى أهمية (الصحة الرقمية في التصدي للأمراض غير المعدية لتسريع التغطية الصحية العالمية في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل).
الحكومات مطالَبة بتشجيع الاستثمارات والاختراعات في الصحة الرقمية. وفي السنوات الماضية شهدنا اختراع أجهزة طبية محمولة، قدمت الصورة الحية لأهمية الثورة الرقمية. ومن الأمثلة العديدة يأتي جهاز كشف بالموجات فوق الصوتية، يُحمل في الجيب، تكلفته بحدود (2000) ألفي دولار، ويتصل بتطبيق على الجوال، ويُعد بديلاً لأجهزة التصوير المستخدمة في المستشفيات التي يكلف الواحد منها 100 ألف دولار. مثل هذه المخترعات الرقمية يحتاج إليها أكثر من 4 مليارات شخص في العالم، لا تتوافر لهم خدمات تشخيص وعلاج الأمراض قبل استفحالها. أيضًا تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحقل الصحي تقدم اختراقًا كبيرًا في الكشف على الأمراض، ومتابعة حالات المرضى، وفي استخدام السجلات الرقمية. ويهيئ الذكاء الصناعي كفاءة التواصل بين الأطباء والمرضى. وتطبيقات الذكاء الصناعي تقدم الأمل للكثير من الفقراء في العالم إذا توافرت البنية التحتية الرقمية الأساسية.
المتخصصون في التكنولوجيا الطبية المتطورة يرون أن الخدمات الصحية الإلكترونية سوف تغيِّر ثقافة التعامل مع الأمراض؛ إذ ستجعل عيادة الطبيب متاحة للمرضى، أي ستكون العلاقة تشاركية، كما هو الحال في التعليم. فتقنية تداول البيانات عبر الجوالات سوف تجعل المريض يسهم في إدارة مرضه. ولدينا في المملكة نحو 80 في المئة من السكان يصلون إلى الإنترنت عبر الجوال الذي تصل نسبة انتشاره إلى 92 في المئة، ولعله يكون أداة تُستثمر في العلاج والتعلم! الذي يهمنا جميعًا، ويشكل تحديًا لقيادة القطاع الصحي، هو توسع الرعاية الصحية الأولية، والإرشاد والتوعية الصحية للمناطق النائية.. والتطورات الرقمية وسيلة غير مكلفة لتقديم خدمات أفضل في الكشف المبكر، والعلاج للأمراض المزمنة. وهذا أحد المصدات لتطور الأمراض، ولمحاصرة تكاليف الخدمات الصحية المتصاعدة التي نخشى أن ترهق ميزانيتنا.