رغم أن ولادة مصطلح خلية الأزمة أو إدارة الأزمة كان في البدء أحد مخرجات الفكر الإداري والسياسي الغربي، ومع ذلك فحين وقعت أم الأزمات الصحية في العالم التي لم يُستَثْن أحد من آثارها وهي أزمة أدت إلى أزمات اقتصادية واجتماعية وربما سياسية، فشلت دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية في توظيف هذا المصطلح في الوقت المناسب مما نتج عنه تفاقم المشكلة بكل جوانبها قبل تحرك الأنظمة في مواجهتها منذ البدء، لذلك كشفت الأزمة عن ضعف كفاءة وإمكانيات المؤسسات الصحية في كثير من هذه الدول.
في المقابل كانت المبادرات المبكرة والفاعلة من نصيب الدول الآسيوية والشرق أوسطية التي واجهت الكارثة بكفاءة تنظيمية مذهلة، وفي مقدمة هذه الدول كانت المملكة سباقة في التنظيم الفعال والإجراءات الاحترازية والعلاجية والتمويل ليس فقط للمؤسسات الصحية بل ولكل مؤسسات المجتمع وأفراده الذين تتأثر مصالحهم بالحدث بما في ذلك المقيمون على أراضيها من غير السعوديين، وهي خطوة أو خطوات تحمل في طياتها المؤشرات على عدة أمور، أولها التزام الحكومة التام والسخي تجاه كل ما يخدم المواطن في مثل هذه الظروف وثانياً القدرات الفائقة بتنظيم العمليات التعبوية المطلوبة لتحقيق أهداف الحكومة وثالثاً تعامل المواطنين المسؤول تجاه كل ما يترتب على قرارات الحكومة من سلوك، وقيام كثير من الأفراد والمؤسسات الخيرية بتقديم المساندة والمساعدة للأسر المحتاجة وهو تصرف نابع من قاعدة أخلاقية مصدرها الدين والقيم والولاء للوطن
لم تقم المملكة بإصدار أوامر وتوجيهات للمؤسسات الحكومية المعنية بل أخذت المبادرة من البدء باعتماد تنظيم دقيق وشامل وأسست خلايا أو فرق عمل ولا أقول لجانا لأنني من خلال تجربتي بالعمل الحكومي أعتبر اللجان أداة للا عمل واللا نتيجة، تكونت خلايا عملية للأزمة على رأسها الملك وسمو ولي عهده الذي أوكل له إدارة الأزمة، وقام بها بكفاءة فكان هناك مجلسا الشؤون الاقتصادية والأمنية ومنهما انبثقت عدة خلايا متعددة الأغراض وبمشاركة الغرف التجارية فيما يمس القطاع الاقتصادي الأهلي والقطاع الصحي وخلايا مهمتها تخفيف الآثار على القطاع الخاص والاقتصاد بكل مكوناته والأمن الغذائي وقبل هذا وبعده خلايا تنفيذية تملك صلاحيات كافية لمواجهة المواقف ضمن سياسة عامة معلنة ومتجددة بما يحمي صحة المواطن وصحة الوطن.
هكذا سارت الأمور وأديرت بكفاءة مذهلة وصولاً إلى السيطرة على المشكلة والتعامل مع مستجداتها، وستكون كثيراً من الأمور بعد انتهاء الأزمة غير قبل حدوثها لأن الحركية التي رافقت المواجهة تنظيماً وسلوكاً ستطبع أثرها على واقعنا الإداري والتنفيذي، وقبل أن أختم عجالتي هذه آمل من الجهات المعنية بوزارات الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية والصحة والداخلية وغيرها أن تتعامل مع قضية العمال وأوضاعهم التي تكشفت نتيجة جهود ملاحقة الوباء بما تستحق، إذ لا يجوز في بلدنا المتقدم أن تكون مساكن العمال هكذا غير لائقة للإنسان ولا بد من وضع تعليمات لتوفير الحد الأدنى الإنساني لفئات العمال من قِبل كفلائهم، ومتابعة تنفيذها، وتصفية أرضنا من المخالفين والمتخلفين لأنهم مصادر قلق أمني وسلوكي ولا مبرر لإبقاء أمرهم يتراوح بين التعليمات الواضحة بمعالجة أمرهم وفقاً للنظام والتستر عليهم من أية جهة كانت.
كم أشعر بالاعتزاز بانتمائي لهذا الوطن المميز بقيادته الملتزمة بمصالح الوطن والمواطن وأسأل الله أن يحمينا من كل الشرور الظاهرة والباطنة.. والله وحده من وراء القصد.
** **
- إبراهيم العواجي