د. حسن بن فهد الهويمل
لست أدري، كيف يكون الاحتفاء برمضان، ومواطنه مغلَّقة الأبواب. إلى الله المشتكى، فهو وحده العالم بما تعانيه الأمة، وما تتطلبه المرحلة الحرجة من وقاية، وعلاج. فحرمة المسلم تفوق عند الله حرمة بيته.
إنه ضيف عزيز يحط رحاله، وما عند المضيف سوى الدعاء.
موسم من مواسم الخير، أغلقت أسواقه حفاظاً على حياة الإنسان، الذي كرَّمه الله، ونهاه عن إلقاء النفس في التهلكة.
مرحباً رمضان، إذا أغلقت في وجهك أبواب المساجد، فسيكون مقرك الصدور، والاحتفاء بك في الدور: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}.
ربنا لا تؤاخذنا إن قصرنا بحق شهرك الكريم، شهر الرحمات، موسم العطاء و الكرامات، فيه نزل القرآن، وفيه ليلة هي خير من ألف شهر.
إنه ضيف يعطي، ولا يأخذ، فُرْصَة المقصِّر، وموسم الجاد، ومزرعة الآخرة.
الحكمة بالغة، لا يعلمها إلا الله، أُعْطِيتْ بعض الأزمنة، والأمكنة، والأناسي مزيد فضل، وتميز. في الأزمنة، والأمكنة المفضّلة تضاعف الحسنات، وتجاب الدعوات، ففي الأمكنة فضّلت مكة، والمدينة، وبيت المقدس. وفي الأزمنة، فضّلت عشر ذي الحجة، ورمضان، والعشر الأواخر منه، وليلة القدر، والأعياد، والجُمع، والأشهر الحرم. فيها تضاعف الحسنات، وتحط الخطايا، ويكثر العتقاء من النار.
فرصٌ متاحة للمقصِّرين، والمسوِّفين. فتباً لمن مرَّت به هذه المواسم، ولم يقدِّم فيها ما يعوِّض عن تقصيره.
اللهم أعنا على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك: {وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ}.
مواسم التجارة، يستبقها أهل الدثور، ومواسم الآخرة، يستبقها أهلك، وخاصتك.
شهر تغلق فيه أبواب النار، وتفتح فيه أبواب الجنة، وتصفد الشياطين.
الصوم وحده كفيل بقمع الشهوات، وترويض الغرائز، وإشاعة الروحانيات.
فالصائم المتلبس بالإمساك عن الأكل، والشرب، وخطل القول، تملؤه السكينة، ويتغشَّاه الخشوع، ويعيش رمضان، كما يعيش المتلبس بصلاته، لا يقول إلا الحق.
قلبه عامر بالسكينة، ولسانه لاهج بالحمد، والذكر، والاستغفار، والثناء.
رمضان يَقْدُم ببركاته، والأمة الإسلامية تغالب هذا البلاء، وتصارع هذا الوباء. ولا يكشف الضر إلا خالقه، ومدبرة.
إنه فرصة الفرار إلى الله، والضجيج بالدعاء، والاستغفار: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا}: {وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون}.
النية النقية، وحسن الظن بالله: (أَنا عِنْد ظَنّ عبدِي بي). سبيل النجاة فلنحسن الظنَّ بالله.
إن علينا الإقبال على الله في هذه الأيام الفاضلة، ونحن موقنون بالإجابة. فهو سبحانه الأوفى بوعده: {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ}.
أمتنا الإسلامية تعيش في الدرك الأسفل من الفتن العمياء، ولا منقذ لها إلا خالق كلِّ شيء. من له الخلق، والأمر. كاشف الضر.
رحمات الله لا تتنزل إلا على من هو أهل لها: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ }: {وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ}.
لا بد من محاسبة النفس، ولا بد من التغيير: {فَلاَ تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}.
شهر يكثر فيه العتقاء، وتكثر فيه الاستجابة، نسأل الله العون، والتوفيق، والرشاد، والسداد: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}.
الإنسان مرتهن للقدر، وهو من أسرار الله، ولا يصلح معه إلا الإيمان، فمن ناقش القدر بالعقل ضل.
لله الخلق، والأمر. المشركون آمنوا بالشق الأول، وهو (الخلق)، فلم ينفعهم. وأشركوا في (الأمر) فهلكوا.
كلمة (الإلهام) تعني أن علم الله أحاط بما هو كائن، وبما لم يكن لو كان، وحين علم الله أن هذا المخلوق لن يهتدي ألهمه الفجور، أي خلق عمله عدلاً، لا ظلما: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُون}.
اللهم اجعلنا ممن علمت هدايته، فألهمته التقوى.