د.عبدالعزيز عبدالله الأسمري
لم تقتصر فظائع وباء فيروس كورونا الجديد «COVID - 19» المدمر الذي يجتاح العالم حالياً، على صحة البشر فحسب، فإلى جانب إزهاق عشرات الآلاف من الأرواح، شكل تهديداً غير مسبوق للأمن الوطني والدولي بكافة أبعاده، مما جعل حكومات العالم بتنوع أنظمتها واختلاف مذاهبها السياسية تقف موحدة عازمة أمرها على محاربة هذا الوباء والقضاء عليه، مستعينة بشتى الوسائل المختلفة التي تملكها في هذه المعركة، ومن بينها أجهزة استخباراتها التي طالما لعبت عبر التاريخ دوراً رئيسياً في الكفاح الإنساني لإنقاذ ملايين البشر وتقديم يد العون لهزيمة كل ما قد يشكل خطورة عليهم.
من بين أبعاد الأمن الوطني الواسع النطاق والذي تعني به أجهزة المخابرات الدولية ما يطلق عليه «وحدة الاستخبارات الصحية والبيئة» والتي تعد من أهم ركائز الأمن الوطني المرتبطة بعناصر القوة الوطنية، وتختص بمراقبة وتتبع وتقييم التهديدات البيولوجية والأحداث الصحية العالمية التي يمكن أن تؤثر سلباً على الصحة العامة لمواطني الدولة وقواتها العسكرية، فهي تعمد إلى جمع المعلومات في المجال الصحي بما في ذلك الأوبئة المتنوعة كفيروس إيبولا وسارس وإنفلونزا الخنازير وغيرها، وذلك لمعرفة مدى انتشارها وتأثيرها، لتزويد راسمي السياسات الوطنية بالتقييمات الاستخبارية والتوصيات عن خطرها وكيفية نشأتها واحتمالية تحولها إلى وباء، مقترحةً ما يمكن اتخاذه للحد من هذه الأخطار.
وفي مثل جائحة فيروس كورونا الجديد، لا يُشك أن أذرع الاستخبارات العالمية وخاصة الهجومية منها تعمل على مدار الساعة للرصد والتجسس على الدول ذات العلاقة بالوباء أو من يرجح ضلوعها في تخليقه أو نشره، وعادة ما تستهدف أجهزة الدول الديمقراطية بعملياتها الاستخبارية الحكومات ذات الأنظمة الشمولية التي يُشك في تعمدها إخفاء الحقائق وتزوير الأرقام والبيانات المتعلقة بالأمراض والأوبئة.
من جانب آخر، تميل الطبيعة البشرية دائماً إلى البحث عن تفسيرات لكل ما يشوبه غموض ويؤدي إلى نشوء أزمات مفاجئة، وخاصة عندما تصبح المجتمعات في مواجهة خطر مداهم كفيروس كورونا الجديد القاتل، مما يجعلها فريسة سهلة لعمليات التضليل الاستخباري التي تتولى فيه الأيادي الخفية للأجهزة المعادية وبطرق جذابة شرح ما لم يتم تفسيره، مستخدمة عملائها ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة لبث رسائل الخداع للرأي العام لتحقيق نوايا مغرضة: كزرع عدم الثقة في الروايات الرسمية أو التشكيك في قدرات الدولة لمواجهة الجائحة أو الإيحاء بضعف قدرتها في مجال الأمن الغذائي، بهدف إثارة الهلع والخوف بين صفوف أفراد الشعب وزعزعة استقراره، وهو بالتأكيد ما لا يمكن تفويته من قبل أجهزة الاستخبارات المضادة التي تعمل ليل نهار على مكافحة مثل هذا التضليل الإعلامي (disinformation) وإظهار الحقائق وبيان قدرات الدولة على تقديم الرعاية الصحية وحماية مواطنيها وتوفير الأمن الغذائي لهم.