«كل الأشياء تندثر ولا يبقى منها غير الاسم»، بهذه الجملة وصف الروائي الإيطالي أمبرتو إيكو، سبب تسمية «اسم الوردة- 1980م» التي أصبحت علامة بارزة في كتابات إيكو، وفي تاريخ الأدب الحديث.
لعل هذه الجملة تنطبق على وضع العالم اليوم، فكل الأشياء ستندثر ولا يبقى منها سوى اسمها، إذ يعيش البعض حالة من الهلع والارتباك في إعادة صياغة منهجية الحياة المقبلة ما بعد «كورونا»، حيث تجاوز عدد حاملي الفيروس عالمياً مليونين ونصف المليون، وضحاياها ما يزيد على 160 ألفاً عند كتابتي لهذا المقال، وانعكس هذا الإرباك على الاقتصاد العالمي، مما استدعى الدعم العاجل الذي تقدمه كل دولة لحماية المواطن والوطن.
تستدعي الأوضاع الحالية استرجاع ذاكرة الأوبئة التي مرت على العالم نهاية القرن الثامن عشر، إذ كان وباء الطاعون بمسمياته المتعددة هو الأكثر شراسة على مستوى العالم، فقد تم تشخيصه أول مرة عام 165م، واستمر ظهوره حتى نهاية القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر، حاصداً عشرات الملايين من البشرية.
بينما كانت الإنفلوانزا (الروسية، الآسيوية، الإسبانية) هي الأكثر بروزاً مطلع القرن التاسع عشر، وحصدت ما يقارب الـ50 مليوناً عام 1918، كما تم اعتبار مرض الإيدز الذي تم اكتشافه عام 1981م هو الأكثر شراسة، حيث حصد ما يقارب 35 مليوناً على مستوى العالم، وفي القرن العشرين كانت إنفلوانزا الخنازير (2009- 2010) هي الأشهر في عدد الضحايا وحصدت ما يقارب 200 ألف شخص في العالم.
هلع اليوم مع انتشار فيروس كورونا مختلف جداً عن السابق، إذ تحول العالم إلى قرية كونية واحدة مطلع القرن الواحد والعشرين، وساهمت وسائل التواصل الاجتماعي لتحطيم الأرقام الفلكية في (تدمير/ توعية) الناس، وسهلت ظهور عدد من المكونات المؤثرة بشكل أساسي في حياة الإنسان، وهي ما بين الإشاعة والمعلومة، فأصبحت الإشاعة مغلفة بشكل (علمي/ صحي/ شعوذة)، مما أدى إلى اختلاط المعلومات وإرسال أخبار تسبب المزيد من الهلع، وهذا ما جعل الدولة تأخذ احتياطاتها كافة، وتضع العقوبات على ناشري الإشاعات، وتطالب مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي باتباع القنوات الرسمية في استسقاء المعلومة.
يعيش المواطن اليوم حالة من الاهتزاز ما بين (شعوذة الأفكار) وممارسة (الحذر) في تغير منهجية الحياة، وهذا ما نحن بحاجة إليه في مرحلة انتهاء الوباء والعودة التدريجية لممارسة الحياة اليومية على المستويات كافة.