عبد الله باخشوين
** عرفت أعمال الفنان البلجيكي (رينيه ماغريت 1898- 1967) أول مرة دون أن أراها ولكن مما كان يكتبه الفنان المبدع الكاتب البحريني أمين صالح عنها.. أو أنني رأيت بعضها دون أن أهتم.. والغريب أنني تعرفت على هذا الفنان وأحببت أعماله (دون أن أراها) لأن ما كتبه المبدع البحريني في مجلة (كتابات) لم يكن مرفقاً ولا حتى بـ(صورة واحدة) لكنه (برمجه في مخيلتي) ودفعني للحصول على كل (كتلوجات) رسومه التي تعبر عنها عبارته التي تقول:
- (كل ما نراه يخفي داخله شيئاً آخر.. وهذا ما يدفعنا - دائماً- للبحث في «المخفي»..لا فيما نراه..!
وهذه -كما يقول- (هي ماهية الفن لأنه يثير فينا «روح» الغموض التي بدونها يفنى العالم في مخيلاتنا دون جدوى).
ويطرق هذا التصور مخيلتك بقوة، وأن تشاهد له لوحة ليست سوى «قميص نوم» تحمله (علاَّقة ملابس) وداخله تبرز كل تفاصيل الجسد الذي يرتديه.
وقبل المضي في التفاصيل.. لا بد أن أشير إلى أن الفنان السعودي خليل حسن خليل الذي رسم غلاف مجموعتي الأولى (الحفلة) باستلهام أسلوب (ماغريت).. هو أكثر فنان - عربي ربما- تأثرًا بهذا البلجيكي الملهم.. وإن كنت أزعم أن كل مصممي (البوسترات) الدعائية والإعلانية وحتى السياسية تأثروا بأسلوبه ذي التأثير الطاغي.. وهو أحد (المؤثِّرين) الثلاثة الكبار في حركة الفن التشكيلي الإنساني.. وهم بيكاسو.. وسلفادور دالي وماغريت.. والفرق الجوهري في تأثيرهم.. يكمن في قدرة الفنان (الناشئ) على أن يستقل بأسلوبة سريعاً في حال تأثره ببيكاسو.. ولكنه يجد صعوبة كبيرة جداً في الخروج من تحت عباءة كل من دالي وماغريت.. بحكم أن كل منهما صنع عالماً (مقفلاً) على مخيلته -إن صح التعبير- وهو في (الأدب العربى ) مثلاً.. يشبه العالم الذي نسجه الكاتب السوري المبدع (زكريا تامر) الذي لم أجد -حتى الآن- كاتباً عربياً تأثر به وتمكَّن من امتلاك استقلاليته فيما بعد وعلى المستوى المحلي نستطيع أن نذكر اسم القاص جبير المليحان الذي لم يتمكّن منذ أكثر من ثلاثين عاماً من الخروج من تأثير زكريا تامر أو يمتلك استقلالية تصنّفه مع كتاب القصة الذين نعرف دون ذكر أسماء لأن عددهم غير قليل.
نعود لرينيه ماغريت.. ومنذ البدء لا بد أن يستوقفك دالي وماغريت بتقنية أعمالهما التي تجعل لوحة أي منهما.. قريبة جداً من تقنية (الصورة الفيتوغرافية) كأنما للتأكيد على أسلوب انتمائهما للمدرسة (السريالية) التي هما أبرز روادها ومبدعيها.. هذا رغم عدم التقاء أسلوبيهما في أي (شيء) فدالي عالمه خصب جداً ولوحته مزدحمة بعوالم شديدة التنوّع تستلهم التراث المسيحي في تصوير الأجيال السابقة من الفنانين وتضيف لها رؤاه وعوالمه الخاصة التي تبرز الهوية النقدية لتصوير الأجيال السابقة وتعيد تناولها وفق عوالمه ورؤاه المدهشة والمميزة.. فيما تجد أن لوحة ماغريت ذات تفاصيل (محدودة) تقوم على بناء (كولاجي) مركب وأحياناً على (لقطة) واحدة كلوحة (البايب) أو الغليون، حيث تجد أن اللوحة لا يوجد بها سوى (غليون) رسم بتقنية عالية تجعله يكاد ينتمي لـ(الفيتوغراف) وليس (للرسم) هذا قبل أن تستوقفك صورة الرجل الذي يرتدي (قبعة) ووجه تغطيه (تفاحة) والتي تعد أشهر لوحاته وانتشرت في (السينما) وكادت تكون بصمته (الخاصة) رغم أن بصمته تحملها كل أعماله وغني عن القول إن أعمال ماغريت أسهمت بدور فعَّال في مساندة (الحركة السريالية) في الشعر والأدب.. حيث احتفل به روادها أمثال أندريه بريتون وبول ايلوار وارتبط ببريتون بصداقة ومشاركة فنية عبر المجلة التي كانت تصدرها الحركة السريالية وارتبط بصداقة مع أبرز سريالي عصره أمثال دالي وماكس ارنست وخوانميرو.. ويمكن أن نتوقف عند هذا الطرح الذي يفسر به تصوره للوحة، حيث يقول:
- (لوحاتي صور مرئية.. شديدة الوضوح.. لكنها تثير حالة من الغموض الذي يدفع مشاهدها لأن يتساءل: - ماذا يعني الفنان بهذا..؟!
ذلك أنه يجد أنها لا تعني شيئاً.. لأن الغموض نفسه لا يعني شيئاً.. فهو ليس سوى أمر مجهول.. إنه مجرد غموض..؟!).