د. علي بن فايز الجحني
لا شك أن كلمة مثقف لها وزنها وثقلها وتعبر عن مدى إدراك المثقف للأشياء والعلم بها من خلال حواسّه الخمس، فيبصرها، ويسمعها، ويتحدّث بها، ويشمّ رائحتها ويحلل أبعادها، ونسمع كثيراً ويبرز بين الحين والآخر ما يمكن أن يطلق عليه «المثقف الواعي، والمثقف الزائف»، والأخير هو ممن يحسب على المثقفين، وتراه يقنع نفسه بتصورات وأفكار رغم أنّها لا منطق فيها، ولا تتناسب مع الواقع الذي يعيشه، وعلى الضفة الأخرى، هناك المثقف الواعي الذي يتمثل ضمير الأمة في الفهم الصحيح للأشياء ولأصولها، على أن المثقف الحقيقي هو الذي استقى ثقافته من مصادر كثيرة منها وأهمها الإسلام بوسطيته واعتداله وتسامحه، كما أنه يمتلك طاقه إيجابية متماسكة من الحب، والسلام، والتسامح، والتقدير الكامل للنفس الإنسانية، والتعاطي مع الأمور بالحكمة، وهذه هي قمة الإيجابية والرشد على أنه في كل الأحوال يظل المثقف الحقيقي في مجتمعنا له سمات يتصف بها منها:
1- أنه يمثل المبدأ والوطن، ولا يمكن أن يسيء للإسلام، أو يخدش مشاعر أبنائه.
2- لا يمكن أن يسيء للغة العربية، والأخلاق.
3- لا يمكن أن يسيء للأمن الفكري والمجتمعي واللحمة الوطنية.
4- مدافع قوي عن الثوابت الوطنية.
إن شبابنا مستهدفون؛ من هنا تجيء أهمية تعزيز مناعتهم الذاتية، وتحصينهم ضد الأفكار الشريرة، والتحصين الذاتي يتم من خلال المنزل أولًا، ثم المدرسة لمواجهة الكثير من الشبهات والمغريات والمكائد التي تعصف بهم، وتجعلهم هدفًا لجماعات الضلال التي تسعى بكل الطرق لتجنيدهم وجعلهم ضحايا سهلة لأفكارهم الهدامة التي تتنافى مع الإسلام والأعراف.
وفي هذا السياق لابد أن يواكب هذه المواجهات والإنجازات الأمنية قيام المثقفون بتعرية الفكر الضال، وكشف خطورة جرائم الإرهابيين وممارساتهم الشنيعة غير الإنسانية من خلال وسائل الإعلام وشبكات التواصل بالتثقيف والدعوة للوسطية، والتركيز على فئة الشباب؛ لأنهم الفئة المستهدفة من قبل التنظيمات الإرهابية، وإيجاد توازن في الطرح، مع المحافظة على الهوية، ولا تقتصر التوعية على النشء فحسب، بل يجب أن تمتد إلى أولياء الأمور والمربين والمجتمع، وتوجههم نحو أصول التربية السليمة التي تسهم في تحصين الجنسين تحصينًا جيدًا ضد كل ما يثار حولهم من أفكار هدامة، والالتفات إلى سلبيات التقنية الحديثة وما قد يصاحبها من تداعيات تؤثر سلبًا على أفكار الناشئة.
إن أمام اضطراب الفكر وزعزعة القناعات لدى البعض تبرز الحاجة إلى الأمن الفكري الذي ينطلق من الثوابت الأساسية بما يخدم هذا الفكر، ويعزز سلامته من الانحراف والخروج عن الوسطية، والاعتدال والتسامح في فهمه للأمور الدينية والسياسية، والمعيشية والتصور الإسلامي للإنسان والكون والحياة، مع الشعور بالانتماء إلى ثقافة الأمة وقيمها، في سياق تكريم عقل الإنسان وفكره ورأيه بحسب الثوابت الأساسية والمقاصد المعتبرة، والحقوق المشروعة المنبثقة من الإسلام عقيدة وشريعة حياة، وهذه في حقيقة الأمر من جملة المبادرات والنفحات اللامعة في سماء الثقافة التي يمكن يسهم بها المثقف في مجال تعزيز الأمن الفكري.
إن بعض المثقفين في العالم العربي -للأسف - كانوا وما زالوا عبئاً على مجتمعاتهم لكونهم عينة لرموز سلبية في المشهد الثقافي العربي، حيث ظلوا ردحاً من الزمن يُحَللون ويُفلسفون الأمور السياسية والدينية من وجهة نظر نفعية ضيقة، ومنهم على سبيل المثال الهالكان «هيكل والترابي»، وغيرهما ممن يوظفون معرفتهم العرجاء ضد ثوابت المجتمعات العربية من خلال أساليب وأكاذيب وترهات، وممارسة التخذيل والإغراق في نظريات المؤامرة والصلف الايديولوجي المثير للاشمئزاز، بهشاشة ثقافية تشكل عبئاً حقيقياً على الثقافة العربية والإسلامية لانفصالهم عن الجماهير، وضلوعهم في التحريض على الانقسام العربي، والفرقة والتحريض على ثقافة الموت والإحباط، ودعم التدخلات الإيرانية في الشأن العربي، وتسويق خدعة «ملالي إيران الكبرى» بمعاداتهم لإسرائيل، ووقوفهم مع الحق الفلسطيني، في حين أنهم على النقيض من ذلك، وأن شركات إسرائيل مثلاً لها الأفضلية في الاستثمارات داخل إيران وهي تزيد عن (200) شركة، وأن ثلث الجيش الإسرائيلي هم من يهود إيران، وما خفي أعظم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «يتبع الدجال من يهود أصفهان سبعون الفا عليهم الطيالسة» رواه مسلم.
الخاتمة:
يقول الأستاذ/عبد الفتاح أبو مدين رحمه الله: «على المثقفين والأدباء أن يواصلوا في تجلّي إبداعهم ومواصلة نشاطهم.. في كافة الأصعدة والمنابر الأدبية والثقافية في تنافسية شريفة تليق بالفكر والثقافة والأدب»، ويذكرهم قائلاً: «الوطن غالٍ؛ ويستحق منا جميعًا كل هذا البذل لتكون راية التوحيد خفاقة في كل المحافل العربية والعالمية».
إن الحديث عن الثقافة في مجتمعنا العربي لا ينفصم بالضرورة عن الحديث عن الهوية التي هي في جوهرها مجموعة من المعطيات الثقافية التاريخية واللغوية والتراثية، وهي من الأطر والسياجات التي تحمي المجتمع والأفراد من التطرف، والإرهاب أو الجفاء والانحلال من خلال التعبيرات والطروحات الثقافية التي تشمل صنوف الثقافة ومنها: الرواية، والمقالة والقصة والفنون البصرية وفنون التصوير، والرسم، والنحت والمسرح والسينما، والعمارة، والبيئة العمرانية، والإعلام، بجانب الكتب والمطبوعات ومساحة كبيرة من الأعمال الفنية والثقافية والتراثية، وكل تجليات الإبداع الثقافي والفكري ومعطياته الذي يتعين أن يستصحب الأبعاد الوطنية والأمنية التي منها:
- إبراز جهود الدولة -أعزها الله - في ترسيخ ثقافة الحوار، والتفاعل، والحضور الإنساني، والتلاحم الذي يؤدي إلى تعزيز الانتماء الوطني.
- الاستفادة من معطيات الثقافة ومكوناتها في تنمية روح المواطنة لدى أفراد المجتمع.
- التعبير عن المجتمع الذي يعيش فيه بثقافته وهويته وتراثه.
- الإسهام في الفعاليات والمهرجانات، وتحصين المجتمع ضد الانحرافات الفكرية والأخلاقية، ونبذ كل ما يدعو إلى الفتنة والفرقة، أو الخروج عن منهج الوسطية.
- مواكبة مستجدات العصر، مع استحضار الثقافة الإنسانية باعتبارها تراثًا إنسانيًا مشتركًا.
- مشاركة الجهات الأمنية والتعليمية في الفعاليات التي تساعد على تنمية الثقافة الأمنية والتطوعية من جهة، ومن جهة أخرى الإسهام في تفعيل دور الانساق التربوية ومؤسسات الضبط الاجتماعي لتعزيز الثوابت والمحافظة على الهوية الثقافية والأمن الفكري للمجتمع.
وخلاصة كل الخلاصات أن البرامج التنفيذية والمخرجات النهائية للأمن الفكري الإيجابية تصب في الحفاظ على استقرار الأمن الوطني، وتوثيق التماسك بين الدولة والمجتمع بما يحقق تكاتف جهودهما في مواجهة التحديات الفكرية الآنية والمستقبلية.
إن المثقف المتبصر يدرك مهددات الأمن الفكري سواء في جانبي الغلو أو الجفاء التي منها: أسباب دينية، تتعلق بالجهل بحقائق الإسلام، وأسباب نفسية تتصل بالمشكلات النفسية لدى الفرد، وأسباب تربوية، تتعلق بالقصور في الأساليب التربوية من المؤسسات التربوية، وأسباب اجتماعية تتعلق بالمجتمع ومؤسساته، ويندرج تحت هذه الأسباب أسباب فرعية أخرى من هنا يبرز دور المثقف في سد ثغرات الغلو والجفاء، حتى يأمن المجتمع من غوائلهما، مع إبراز شخصية المسلم، وقيمه المثلى، وشخصيته السامقة، ومنهجه الوسطي المعتدل.
والله ولي التوفيق.