سمر المقرن
هل الإنسان يحتاج إلى المنتجات الصناعية أم أن الصناعيين يحتاجون إلى الإنسان؟
هل فعلاً المنتجات سهَّلت من حياتنا أم أنها عقَّدتها حتى أصبحت صعبة ولا يكاد الإنسان يلفظ أنفاسه الأخيرة إلا وقد أنهكه السعي خلف تلك المنتجات، فتعقَّدت حياته أثناء سعيه لتسهيلها! هل ما زالت مقولة الحاجة أم الاختراع قائمة؟! أم أن الاختراع تحول إلى مارد خرج عن سيطرة الإنسان فراح يخلق كماليات تتحوَّل مع الأيام إلى حاجات أساسية تملكنا ولا نملكها، بل وتتصرَّف بنا ومشاعرنا وطموحاتنا ورغباتنا. غول تغوَّل على حياتنا وأصبحت خيوط حركتنا في يدي صنَّاع تلك المنتجات، رغم أن أصلها كان مجرد عرض رخيص من شركة (جرِّب هذه المرة ثم ستعود لتطلبها) وفي كل مرة تعود سيكون السعر أعلى قليلاً وهكذا حتى تتكوَّن القمتين (قمة الحاجة وقمة السعر) وهنا يتكون قيد وهمي سميك تشعر معه أن رغبتك في الحصول على المنتج ضرورية لبناء جزء مهم من شخصيتك، وقد تتنازل عن أجزاء أخرى «أهم» من شخصيتك مقابل استكمال هذا الجزء!
وصفي ليس مبالغة، فما معنى أن تنهار حياة شخص لمجرد أنه لم يستطع توفير هاتف جوال لزوجته؟! ما هو الانطباع الذهني لهذا المنتج الذي تكوَّن لدى قطبي الأسرة لكي يتخذوا بسببه هذا القرار! أو ما معنى أن يقف آلاف من البشر في طوابير ولعدة أيام ليشتروا بمبالغ باهظة مكعباً كرتونياً يحوي هاتفاً معدنياً؟! أو أن تتم تنازلات خطيرة مقابل ساعة مكتوب عليها اسم صانعها! أو أن يرتشي موظف ويقبل الطرد من رحمة الله لمجرد أنه يريد استبدال سيارته بسيارة أفخم! «يستبدل» أي أن لديه سيارة أصلاً ولا ضرورة ملحَّة!
كيف لفتاة مكتملة الفكر أن تعتقد بأن جمالها لا يكون إلا بحقيبة من علامة تجارية فاخرة، كيف تناست أن جمالها قد يكون بنقاء قلبها وابتسامتها وكلاهما مجان ولكنهما بقيمة تسمو بالإنسان عن أي سعر!
نعلم أن الصناعة الآن تقود العالم ولكن تقوده إلى أين؟ ما هو خط النهاية؟ بل أين هو الاتجاه؟ كيف نعلم أننا اقتربنا أم أنه سراب؟ كلما ظننا أننا وصلنا زادتنا رغباتنا رغبة في الركض إلى سراب آخر!
هل حان الوقت للعودة إلى أصل الإنسان وحاجاته الحقيقية المحدودة والتي تتناسب وقيمه وأخلاقياته الإنسانية؟! وفهم منطق أن الصناعة من أجل الإنسان، لا أن يبقى الإنسان في خدمة الصناعة، عبداً لرغبات خلقتها الأوهام وكوَّنتها أشباح الضرورات ونمت في كنف أشباه الأهداف والتحديات!
وأنا، وأنت، وأنتِ، وهو، وهي، وأنتم، ونحن، وهم لسنا استثناء، بل أغلبنا وقع ضحية الحياة الاستهلاكية الشرسة.. قد يبدو الأمر فلسفياً وهو كذلك.. وهل تفهم الأشياء إلا بسبر فلسفتها وفهم تفاصيلها الدقيقة.