وكيف تلذُّ طعم العيش نفس
غدت أترابها تحت التٌراب
جُبلت النفوس بل طبعت على التأثر والحزن على كل راحل إلى دار النعيم المقيم؛ من والدين وإخوة وأخوات، ومن ذرية بنين وبنات، وغيرهم من معارف وجيران..، وما زالت ولا تزال جادّة الموت هادم اللذات ومفرق الجماعات آهلة بعبور قوافل الراحلين إلى الدار الآخرة، ممن انتهت إقامتهم في الحياة الدنيا، راجين لكل مسلم ومسلمة حسن الوفادة والمغفرة من ربّ العالمين، ومن أولئك الأخت الكريمة طرفه بنت محمد الجماز (أم محمد) زوجة ابن العم عبدالعزيز بن حمد بن عبدالعزيز الخريف، الذي سبقها إلى مضاجع الراحلين منذ سنوات عدة -رحمهم الله رحمة واسعة- حيث انتقلت إلى رحمة الله يوم السبت 25-8-1441هـ، ثم أديت صلاة الميت عليها يوم الأحد 26-8-1441هـ، ووري جثمانها الطاهر بمقبرة الشمال بالرياض..، في جو حزن عميق يعتصر مهج أبنائها، ولك أيها القارئ أن تتصور حال بنيها وبناتها.. عند عودتهم إلى منزلها وقد خلت أرجاؤه من شخصها، وبنفوسهم ما بها من حرقة ولوعة فراق أبديًا، ولسان حالهم جميعًا يُردد في خاطره معنى هذا البيت المؤثر:
يعزٌ عليّ حين أُديرِ عيني
أُفتشُ في مكانكَ لا أراكَ
-كان الله في عونهم-
ولقد وُلدت في حريملاء، ويقال إن ولادتُنا معها صادفت إطلالتنا على الدنيا.. في ليلة واحدة، فسبحان المقدر لذلك، وبعدما شبت وكبرت اقترن بها ابن العم عبدالعزيز بن حمد (أبو محمد)، وسكنا مجاورين لنا بمنزل والدنا الشيخ العالم الجليل عبدالرحمن عدداً من السنين..، فقويت روح الصداقة والتآلف بينها وبين والدتي وشقيقاتي، حتى رحلت مع زوجها إلى الرياض متأسفين على بعدهما عن نواظرنا، وسكنا في حي العجلية الواقع غربي شارع العطائف، فكلما نمر بذاك المنزل الذي قضت فيه من الأيام أحلاها، مرددًا هذا البيت:
فكيفَ إذا مررتُ بدار قوم
وجيران لنا كانوا كراما
وبعد مضي أعوام طويلة قُدر لي أن أسكن على مقربه من بيتهما في نفس الحي المذكور، وقد اقترنت بعقيلتي (أم محمد) -رحم الله الجميع-، وأنا ما زلت أدرس بكلية اللغة العربية عام 1375هـ، ولما علمت أني أقضي جُلّ وقتي في المذاكرة داخل المسجد مع بعض الزملاء لوجود الإنارة الكهربائية به -آنذاك- بعثت إلينا ابنها محمد ليبات عندنا كل ليلة... وهذا الوفاء منها ومن زوجها لا يستغرب أبدًا -رحمها الله-، فهي امرأة محبوبة لدى أسرتها وجيرانها..، ومحبة للخير والعطف على الضّعفة والمساكين، وأصلة لرحمها، وكان التواصل معها مستمراً حتى غربت شمسها وتوارت عنا -رحمها الله-، قامت بتربية أبنائها وبناتها تربية صالحة حاثة على التحلي بالأخلاق الفاضلة، وصلة الأرحام واحترام الغير ومكرمه لبعلها، ولقد أجاد الشاعر المصري أحمد شوقي القائل:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وقال ابن النيل حافظ إبراهيم:
الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعبًا طيب الأعراق
ولقد كان أبناؤها وبناتها بارين بها وملازمين لها طيلة حياتها، ولئن توارت (أم محمد) عن نواظرنا فإن ذكرها الطيب باق في خواطرنا مدى العمر، -تغمد الله الفقيدة بواسع رحمته ومغفرته-، وألهم أبناءها: محمد وعبدالرحمن وسعود، وبناتها ومحبيها الصبر والسلوان.
** **
عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف - حريملاء