د. جمال الراوي
لكل إنسان طبعه وطبيعته التي تظهر للناس، فتتشكل شخصيته، التي يصنفونه بها، التي تتفاوت بحسب مسميات الناس لها، فيقولون هذه، شخصية مزاجية، متقلبة، هادئة، عدوانية، اجتماعية، انعزالية وغير ذلك.. ويُصبح هذا المسمى سمة وصفة بارزة، لا يتردد الناس في استدعاء هذا المسمى إلى ذاكرتهم، كلما ذكروه في مجلس أو أثناء حديث.
لو رجعنا إلى المسميات التي يستعملها الناس لتوصيف بعضهم، لوجدناها كثيرة، تتفاوت في حدتها وشكلها، قد تكون دقيقة، وقد تكون غير مناسبة، بسبب مزاجية هذه الشخصية، أو تغيّر طباعها من مكان، أو من ظرف إلى آخر!!.. فقد يقول الناس في مجتمع ما، بأن فلاناً عصبي الطبع، بينما يصفه آخرون، في مكان آخر، بأنه هادئ وودود، ويعود ذلك إما: إلى قصور في تقييم هذه الشخصية، أو إلى صعوبة في فهمها بسبب تلوّنها واختلاف مزاجها وطبعها، من فترة إلى أخرى. ويمكن تصنيف الشخصيات من الناحية النفسية، بحسب ما يتداوله الناس من مسميات وتصنيفات إلى:
الشخصية المزاجية: هي شخصية غريبة الأطوار؛ تحمل تناقضات واختلافات في داخلها، مزاجها متقلب ومتغيّر، فقد تكون في مكان ما مرحة وباسمة لكنها تصبح كئيبة وحزينة في مكان آخر، وهي عادة ما تكون صعبة الفهم؛ لا يستطيع الناس اختيار الطريقة المناسبة للتعامل معها؛ لأنها ثنائية القطب، تتراوح في حالها من السلبية إلى الإيجابية، وقد تخفي وراءها مرضاً نفسياً مستحكماً، أو يكون سبب تقلبها تغير الظروف والضغوط الاجتماعية والمعيشية والبيتية التي تكابدها. يصفها بعض الناس، بأنها تشبه عاصفة «تسونامي» الذي يثور، على حين غفلة، دون أن يسبقه علامات تدل على حدوثه، فيقتلع كل ما يعترض طريقه، وهذا هو حال الشخصية المزاجية، التي تثور فجأة، على أثر حديث عابر أو جدال في مجلس، فتصب جام غضبها، لا تُغادر المكان إلا وقد تركت من خلفها عداوة وشحناء وبغضاء!.. ومن صفات هذه الشخصية أنها حساسة لأي نقدٍ أو تجريح؛ لا تملك القدرة على التحكم في انفعالاتها، كما يصعب عليها اتخاذ قرار، لأنها متفاوتة ومتغيرة المزاج، وكثيراً ما يُعاني الناس من التعامل معها، لأنها مترددة بين القبول والرفض، وبين الهدوء والثورة، وبين العقلانية والتهور، وبين التسامح والتشدد.
الشخصية النكدة: الإنسان النكد ينشر، دوماً، حالة من الكآبة والقلق والتوتر والتشاؤم في الأماكن التي يتواجد فيها، لديه غيرة شديدة من الآخرين، وهو عنيف في مواجهته لهم، يحاول تصيد أخطائهم، وإذا تحدث فعباراته تحمل صفة التشاؤم والإحباط، ومدمرة لنفسيات الآخرين، لأنها تفتقر للعاطفة والمشاعر تجاههم، وهي شخصية بارعة في لعب دور الضحية في تسويغ تصرفاتها. من صفات هذا الإنسان الأخرى، أنه يلجأ إلى التضخيم والتهويل في أية واقعة أو حادثة، يبحث عن الجوانب السوداوية فيها، فيذكرها بإسهاب، ويهمل أية جوانب إيجابية فيها، كما أنه كثير الظنون والشكوك، لأنه لا يجد سوى التفسير السيئ والسلبي عن كل ما يسمع أو يشاهد، وينحو إلى إثارة البؤس والتشاؤم في المجالس التي يرتادها، فيترك من ورائه عاصفة من التساؤلات والعداوات، لأنه، في كثير من الأحيان، يتقمص دور المرشد والمعلم، عند حديثه مع الناس.
الشخصية الانطوائية: وتسمى أيضاً الانعزالية، صاحبها إنسان هادئ وكتوم؛ يكتفي بالعدد القليل من الأصدقاء، كما أن معارفه قليلون؛ يتصف ببرود المشاعر واللامبالاة، يحمل في داخله كُرها للمجتمع، مع عجزه عن المشاركة في العلاقات الاجتماعية، لكنه يستمتع بالوقت الذي يقضيه بمفرده، ومن ميزاته التفكير والتمعن قبل الشروع في الكلام، وتؤكد الدراسات النفسية بأن حالته ليست دوما مرضية، لأن كثيراً من الناس يفضلون العزلة وعدم الاختلاط مع الآخرين، دفعاً لأية تجاذبات اجتماعية، لأن بعض اللقاءات والاجتماعات تتصف بالصخب والهزل، بينما يحتاج الإنسان، في كثير من الأحيان، إلى الهدوء الشديد والاسترخاء، ويحتاج إلى الاستقرار النفسي الداخلي الذي يتطلب عزلة وهدوءا.
الشخصية المستهترة: وصاحبها إنسان جموح في عواطفه، يتميز بشدة اندفاعه ورعونته وعدم توازنه، كما أنه من المبذرين للمال، مع عدم احترامه للعادات والقيم الاجتماعية، ويتميز بالاستبداد في الرأي؛ سواء كان في بيته، أو في مكان عمله، أو عندما يكون مسؤولاً أو حاكماً، وهذا الإنسان سريع الغضب، ومستهتر في تحمل المسؤوليات، وغالباً ما تكون طفولته غارقة في الدلال، لذا تترسخ عنده طباع مغايرة في كِبره، فيصبح جائراً وخشناً وظالماً وقاسياً، لأن حب الذات أي: «الأنا العليا» متضخمة عنده بصورة كبيرة، وهو إنسان لا ينفع معه العقاب ولا يستفيد من تجاربه، لأنه لا يستطيع السيطرة على تصرفاته وتوجيهها، وينتهي في كثير من الأحيان، نزيل السجون بسبب أعماله العدوانية كالسرقة وغيرها، أو تعاطيه للمخدرات. ما يميز هذا الإنسان عدم شعوره بالذنب، الذي قد يصل إلى درجة الانعدام التام، وقد يلجأ إلى تبريرات خادعة لأفعاله وسلوكياته، وكثيراً ما يجد في الإفلات من العقاب وسيلة لإبراز مهارته وبراعته، لتجاوز العوائق الاجتماعية والعدالة، لذا تتكرر أخطاؤه وتزداد خطورته وجسامة أفعاله.
الشخصية المتكبرة: صاحبها إنسان يعتبر نفسه المثل الأعلى؛ يرفض أي مثل أعلى من غيره، يعد نفسه الأفضل والأعلى شأنا، لا يقبل الإهمال والإغفال عن ذكر اسمه في المجالس، يستعرض على الدوام، صفاته وميزاته، يتحدث عن منجزاته، وقد يصطنع بطولات وهمية أو يحاول تضخيم أفعال قام بها؛ ينتظر من وراء ذكرها، المديح والتبجيل، ومن صفاته حبه الشديد للشهرة والظهور تحت الأضواء، لأن (الأنا العليا) متضخمة، تغذي لديه الشعور بأنه يجب أن يكون محل إعجاب الآخرين، ويسعى طوال حياته إلى تغذية هذه (الأنا العليا)، يرى بأن طعامها المقدس في إعجاب الآخرين به، يقضي عمره في تنميتها وزيادة حجمها. وأغرب ما في هذا الإنسان، ضعف شخصيته، رغم مظاهر القوة فيها، يلجأ إلى التودد والتعامل بلطف مع الناس حتى لا يخسر المعجبين به، وهذا يدل على اضطراب نفسي كبير وعدم توازن في مشاعره، وهو عُرضة للقلق والهوس والانحراف وغيرها من الأمراض النفسية، كما تداهمه لحظات اكتئاب، تتناوبه وتُعكر عليه مزاجه، بين الفينة والأخرى.
الشخصية المتذمرة: وصاحبها إنسان ينشر البؤس والتوتر في محيطه الاجتماعي والمهني، دائم الشكوى والتذمر، يمتلك قدرة عجيبة على تحويل الجوانب الإيجابية إلى سلبية، يتحدث دائماً عن مشاكله ومعاناته في الحياة أو في مجال عمله، لا يبغي من وراء ذلك نصحاً ولا مشورة، بل يرفض التعليق عليها، وإنما غايته نشر الطاقة السلبية التي يمتلكها، يريد أن ينتقل عدواها إلى الآخرين، وحينما يُلاحظ عدم اهتمام الآخرين بشكواه وتذمره، يتوقف عن الحديث، لأنه يشعر بأنه أخفق في مسعاه وغايته في خفض الروح المعنوية عند مستمعيه. والإنسان المتذمر يعيش في تعاسة دائمة، لأن نفسه غير راضية وغير قانعة، يحمل معه هذه الخصلة الرديئة، لا يرى أية سعادة أو طعما في النِعم التي حباه الله ويفوت فرصه الثمينة بالاستمتاع بها، لأنه صاحب مظلومية راسخة في ذهنه، يسعى إلى الحديث عنها، ولا يرتضي سوى تكريس حياته لها.
الشخصية الأنانية: وتسمى أيضاً الشخصية النرجسية، وصاحبها إنسان يميل إلى العمل الفردي؛ لا يحب المشاركة في الأعمال الجماعية، وإن شارك، يحاول قتل روح العزيمة، ينتظر الفرصة المناسبة حتى يستأثر بالعمل وحصد نتائجه له وحده، ويلجأ إلى تسويغ عزلته وحبه لذاته؛ يسوّق حُججاً واهية، يعزو ذلك إلى صعوبة فهم الآخرين له، أو بالقول بأنه يمتلك قدرة على النجاح بدونهم، وقد يسوّغ إخفاقه إلى وجودهم بجواره. هذا الإنسان، غير مسؤول، لا يشعر بأية التزامات أو واجبات تجاه أسرته وعمله ومجتمعه، لديه رغبة دائمة في الحصول على حقوقه كاملة غير منقوصة؛ حتى وإن تجاوزت حقوق الآخرين، وهو بارعٌ في إخفاء سلبياته وعيوبه، وغير مُبالٍ بعواقب أفعاله، وقد يلجأ إلى التعدي على الآخرين ورفع صوته واستفزازهم، يعتبر أي مساس بمشاعره أو مصالحه خطيئة كُبرى؛ تستوجب الردع الحازم.
الشخصية النمامة: يلجأ الإنسان النمام إلى إقامة علاقات سطحية مع الناس؛ الهدف منها الحصول على الأخبار والقصص التي يبغي من ورائها؛ نشر الشائعات والأقاويل بين الناس، بقصد الفتنة أو لإشاعة السلبية في المجتمعات التي يحضرها، وهو إنسان غادر وسام، يلجأ إلى وسيلته في الذم والمديح الكاذب؛ فإن ذمّ شخصاً ما أمام شخص ما فقد يمدحه خلفه!! وإن مدحه أمامه فقد يذمه خلفه! ويفعل الأمر نفسه مع الذين يذم الآخرين أمامهم وينقل الأخبار إليهم! لأنه متلوّنٌ، جعل من النميمة شعاراً له. ولا يخفى بأن النميمة من الكبائر، لأن من آثارها التفرقة بين الناس والتجسس عليهم وعلى حياتهم الخاصة؛ قد تؤدي إلى قطع أرزاقهم؛ لأن النمّام يلجأ، في بعض الأحيان، إلى قلب الحقائق وذكر المساوئ عند أصحاب القرار والسلطة بقصد الإيذاء. وثبت في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تجدُ من شر الناس يوم القيامة عند الله، ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه).