د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
جاء رمضان، وحلّ زمنه يهطل بيننا غيثًا نديًّا، يطرق شغاف القلوب؛ وينسكبُ على أرواحنا، يحتضنها كالأرائك. فمن منظور إيماني صوم رمضان ركن من أركان الإسلام، وليس فكرة دنيوية ينبغي أن نكدّ الذهن لاستخلاصها ومن ثم التأطير لها!! جاء رمضان يطرق ذاكرة المسلمين ليذكروا عهودهم وجهودهم، وأن صفوفًا من مآثرهم وتاريخهم الفاخر تمت في الشهر الكريم. وجاء رمضان وأرضنا آمنة مخضرة، ووطن يدفع بالجهود المتكاملة والممنهجة بعناية لدرء وباء (الكورونا) العالمي عن حياضنا. وخلال زمن الوباء رسمتْ قيادتنا في علياء صحيفة حقوق الإنسان وسمًا يشاهده القاصي والداني، مضمونه الإنسان أولاً حتى ارتفعتْ القيمة الصحية والوقائية والأمنية في بلادنا؛ فأصبحت فكرًا نفيسًا، لا يُضاهى!
وجاء رمضان وبلادنا تتعامل مع العالم باحترافية عميقة، تحمي مصالحها ومقدّراتها. وجاء رمضان وما زالت أرضنا خصبة، حُبلى بالفرص المحققة لاحتياجات المرحلة. وجاء رمضان وحدودنا تطوقها أيادٍ باذلة قوية، تحب الوطن وتعشقه؛ ليبقى مهوى أفئدة المسلمين.
شهر رمضان عذوبة العبادة، ونميرُ مائها. وليالي رمضان طاقات فائزة بإذن الله, وأيامه بحار تجتازها النفوس لحيازة الأثمان الغالية من أصدافه. فرمضان عبادة وإصلاح وصلاح وفكر إنساني جديد، يعمر الأرض، ويستثمر طاقاتها. ورمضان مراجعة للأوراق. ورمضان هدى للناس، وبينات من الهدى. ورمضان تسامٍ في الخلق والأخلاق، ودعوة إلى التآزر والتعاون والرحمة.
شهر رمضان شهر القوة والعمل, وشهر الانتصارات الإسلامية الخالدة. وشهر رمضان وسم اجتماع للمسلمين، نتذكره ونعيشه كل عام, ونعي أن ما يجمع المسلمين أكثر مما يفرقهم, وما يوحّد قلوبهم أكبر مما يباعد فيما بينها!
ويتقاطر العقل يقينًا، وتزدان به صحائف رمضان, ويعبق الشعور فخرًا بأنْ منَّ الله علينا والمسلمين ببلوغ الشهر؛ فيعلو شغفهم لتمام صيامه وقيامه. وها هي نفوس المسلمين تفيض صفاء ونقاء في هذه الأيام المباركة. وللعبادات فروض وواجبات, وللصيام في شرائعه مثلها, وهذا في إهاب الناس وعقولهم, وعند ذاك فإن الأرواح المضيئة تلاقي آفاق العالم؛ لتتحدث عن المسلم في صومه, حيث تواشج المشاعر، والبذل والصدقة, وإحياء السنن, وتبادل الصلة والتواصل. وتنفق الساعات في البر والعبادة وتلاوة القرآن.
وحسبنا روعة وجمالية أن الله سبحانه وتعالى أحاط شهر الصوم بالهدى، وقرنه الفرقان، وفيه توجيه للمؤمنين أن يُحسنوا في أفعالهم وأقوالهم, وأن يأمروا بالمعروف أينما كان موقعه وحجمه, وأن تصبح العبادة يقينًا وإتقانًا، تملأ مرتكزات العمل ودوائره ومحيطاته, وأن يكون الشهر الفضيل سبيلاً للتعاون والتواصل بين المسلمين في بلدانهم المختلفة، وداخل محيط الوطن الواحد.
شهر رمضان مصنع وافر لطاقات النقاء الروحي, تصفو به النفس من الحسد، والوجدان من الغل. وشهر رمضان درجات ثابتة في معراج العدل أيضًا؛ فهذه صباحات رمضانية باذخة بكل الروحانية, تشرق شموسها؛ ليكون الناس إخوة، يشدّ بعضهم بعضًا؛ ويقفوا صفًّا واحدًا ضد المعتدي، ويمدوا خمائل السلام فوق أراضي الأوطان؛ فهم كما قال اللطيف الخبير {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} (آل عمران).
إن شهر الصيام يمنح المؤمنين طاقات استثنائية، لها وجوه كثيرة، يُشترى بها لقاؤه - عز وجل -, وتنتظر مواعيده كل عام أمنيات بمسلم يبني من خشوعه فصوصًا من الدرر، أثمنها البر والإحسان والإيمان العميق في الصدور.
بوح الختام
«رمضان يُعلّمُنا أنّ الأماني مطلب نحو الفلاح، وأنّ الصبر تاج المؤمنين ذوي الصلاح، وأنّ بشائر الشهر الكريم داعم نحو النجاح».