تعد إفريقيا اليوم موطناً لأكثر من 70 في المائة من حالات الفقر المدقع في العالم، حيث يعاني منه أكثر 400 مليون شخص في مختلف أنحاء القارة، ويرزح العديد من بلدانها تحت طائلة أزمات الموازنة، الناجمة عن سوء إدارة الإيرادات المحلية وارتفاع الديون العامة وانخفاض الإنتاجية. كذلك تعاني المرافق الصحية في إفريقيا من نقص مزمن في الأدوية، ما يتسبب في وفاة الكثيرين نتيجة الإصابة بأمراض كان يمكن علاجها أو التعامل معها بسهولة.
كان ذلك قبل وقوع جائحة فيروس كورونا. وليس من المستغرب أن تدمر هذه الأزمة -التي أحدثت جروحاً غائرة في أوضاع الفئات الأكثر ضعفاً في مختلف أنحاء العالم- البلدان الإفريقية، التي تفتقر الاحتياطات المالية المطلوبة لتقديم الدعم لمواطنيها. أما أسعار السلع، التي ارتفعت لمعدلات فلكية بسبب تفشي الجائحة، فقد تسببت في المزيد من عدم الاستقرار في الأوضاع المالية للدول الإفريقية، المتهالكة أصلاً. ولذلك كله، وفي الوقت الذي أعلنت فيه الاقتصادات المتطورة في آسيا وأوروبا والأمريكتين عن حزم إسعافية طارئة ضخمة لشعوبها وشركاتها، تصارع البلدان الإفريقية من أجل تلبية الاحتياجات الغذائية القصيرة الأجل لسكانها الفقراء، الذين طُلب منهم الامتثال لقرارات المكوث في المنزل.
وفي الوقت التي تتصاعد فيه الدعوات لتقديم المساعدات الدولية لدعم القارة خلال هذه الفترة العصيبة، فإن هذا المقترح مضلل إلى حد كبير. فالحل ليس في تقديم المساعدة لإفريقيا، وخاصة بعد أن تسببت دولة عظمى -بفشلها في التصرف بمسؤولية تجاه تفشي الجائحة فيها- في انهيار النمو الاقتصادي للقارة، وتآكل المكاسب التنموية الصغيرة التي تمكنت من تحقيقها بعد الأزمة العالمية السابقة. لقد حان الوقت لمطالبة الدول الغنية المتهاونة في تحمل مسؤولياتها بأن تدفع للدول الفقيرة «ضريبة مخاطر» عن تعطيلها لهذه الدول عن الخروج من دائرة الفقر.
ونقول باختصار أن ما يجب أن تحصل عليه إفريقيا في المقام الأول، في أجواء هذه الأزمة، هو تعويضات ضرر ومسؤولية من الصين، الدولة العظمى التي أشارت التقارير إلى فشلها في إدارة هذه الكارثة العالمية بشفافية وفعالية.
وتشبه الظروف الاقتصادية الحالية التي تمر بها إفريقيا ما حدث لها خلال الأزمة المالية التي اجتاحت العالم في العام 2008م.
فبصفتي نائبة الرئيس المكلف لعمليات البنك الدولي في إفريقيا في ذلك الوقت، أسند لي مسؤولية حشد موارد البنك وموارد الشركاء للتخفيف من حدة الركود الاقتصادي الذي عانت منه القارة. وقد شهدت وقتها كيف وجهت الصدمات المالية التي لم تكن القارة طرفا فيها ضربة قاتلة لمعدلات النمو الثابتة للقارة خلال عقد من الزمان، التي تراوحت في المتوسط بين 5 و6 بالمائة سنوياً، لدرجة أنها هبطت إلى 2.4 بالمائة في العام 2009م.
هذا الانخفاض الحاد أنهى مسار النمو الاقتصادي الصاعد لإفريقيا وتسبب في تدني دخل الفرد، ما أدى بدوره إلى ازدياد أعداد الأفارقة الذين يعانون أوضاع الفقر المدقع واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء. وتعد هذه المعدلات المنخفضة للنمو الاقتصادي، في قارة تضم أكبر عدد من الشباب ويبلغ معدل النمو السكاني السنوي فيها 2.5 بالمائة، من الأسباب الرئيسية لانتشار الفقر المتعدد الأبعاد، الذي يحمل في طياته بذور انعدام الأمن وعدم الاستقرار العالميين.
هذه الصدمة الاقتصادية التي تعاني منها القارة الآن تولدت عن أزمة صحية نشأت في الصين. وهي صدمة قللت بشدة من الفرص التي كانت متاحة لإفريقيا لرفع مئات الملايين من سكانها من حالة الفقر وتجسير الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
وتقدر مفوضية الاتحاد الإفريقي أن الناتج المحلي الإجمالي لإفريقيا سوف يتقلص، منذ الآن، بنسبة تصل إلى 4.5 في المائة، ما قد يؤدي إلى فقدان 20 مليون وظيفة. وقد أعاق ذلك بشكل خطير إمكانية أن تتمكن إفريقيا من خلق فرص عمل للشباب والنساء، ورفع مستويات محو الأمية بتوفير فرص تعلم جيدة للأطفال الذين لا يذهبون إلى المدارس، وخفض وفيات الأمهات والأطفال، وتحسين التغذية والأمن الغذائي، وتوفير الطاقة، وتشييد الطرق الجيدة، وتوفير خدمات المياه والصرف الصحي، والاستثمار بجدية في السلع العامة.
لذا يتعين على الصين أن تثبت قدراتها القيادة على المستوى العالمي بالإقرار أولاً بفشلها الذريع في الارتقاء إلى مستوى مقبول ومعقول من الشفافية المطلوبة للتعامل السريع والمركز مع جائحة فيروس كورونا قبل أن ينفجر الوباء منها إلى بقية دول العالم. وعلى القيادة الصينية بعد ذلك أن تلتزم بإجراء تقييم مستقل من قبل لجنة خبراء للطريقة التي تعاملت بها مع الوباء منذ الإبلاغ عن حالاتها الأولى في ديسمبر 2019م.
ويجب أن تكون نتائج هذا التقي يم موجهات للخطوات المقبلة للصين، بحيث تتضمن هذه الخطوات اعتبارات الشطب الكامل لما يزيد عن 140 مليار دولار أمريكي، قدمتها حكومتها ومصارفها ومقاولوها إلى الدول الإفريقية بين عامي 2000م و2017م، بحيث يكون هذا الشطب تعويضا جزئياً لاقتصادات هذه الدول وشعوبها عن تأثيرات جائحة فيروس كورونا. وبالإمكان تقدير حجم التعويضات المستحقة لإفريقيا بعد ذلك بالتشاور مع الاتحاد الإفريقي والدول المنضوية تحت عضويته، إلى جانب المنظمات العالمية والإقليمية، بما في ذلك الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومصرف التنمية الإفريقي والاتحاد الأوروبي، ومن ثم تكلف الصين وبقية دول مجموعة العشرين بتصميم آلية التعويضات بالتنسيق مع الاتحاد الإفريقي وكل دولة إفريقية على حدة.
لقد حققت الصين معجزة اقتصادية على مدى العقود الأربعة الماضية بنجاحها في انتشال أكثر من 800 مليون من سكانها من الفقر، ولذلك فهي تدرك جيدا أهمية مساعدة البلدان الإفريقية على تحقيق النمو الشامل.
لقد تأخر عالمنا كثيراً في تبني نهج جديد لإدارة المخاطر العالمية -لا سيما تلك التي تترك الفقراء عرضة للمعاناة بسبب إخفاقات الأغنياء والأقوياء. هذه المخاطر تتخذ أشكالاً متباينة، مثل التغيرات المناخية والأعمال الإرهابية والأزمات الصحية وانعدام الأمن الغذائي والجرائم وغيرها - ويكون مصدرها في الغالب الدول الأوفر حظا. هذا الوضع الذي يتحمل فيه الفقراء والضعفاء أعباء التنمية في البلدان المتطورة يجب ألا يستمر.
إن النموذج الحالي لتقديم المساعدات التنموية نموذج مشروخ، وليس بمقدوره أبداً تحقيق أي تغيير حقيقي في توزيع الثروة، لذا نحن بحاجة إلى نموذج جديد يقوي المواطنين ويمكنهم من المشاركة في اتخاذ مسارات للخروج من ضائقة الفقر وبناء الأنظمة الصحية والقدرات الاقتصادية. لقد حان الوقت لبلورة هذا النموذج الجديد، على أن تكون نقطة البداية منح الصين فقراء إفريقيا مستحقاتهم؛ على الصين أن تدفع.
* ناشطة حقوقية نيجيرية ومؤسسة مشاركة لمنظمة الشفافية الدولية.. عملت وزيرة للمعادن ثم وزيرة للتعليم بنيجيريا، ومن ثم شغلت منصب نائب رئيس البنك الدولي لإقليم إفريقيا بين عامي 2007م و2012م.
** **
- أوبياجيلي أزكويسيلي