كتبه: د. محمد بن عبدالله السلومي:
هو الدكتور محمد بن حمد (الهوشان) بن محمد بن عمر بن فوزان بن حمد بن مفيز بن شارخ بن محمد (أبا الحصين) بن علي بن راشد آل محفوظ من عجمان (الرس) بالقصيم، فوالده ممن رحل من بلدة الرس في منطقة القصيم إلى المدينة المنورة، ووالدته رقية بنت عامر الرميح من الرس كذلك، كما هو معروف اجتماعياً، وكما ورد في كتاب ترجمة (سليمان بن ناصر السلومي - الشخصية والرسالة) بحكم ما بينهما من رحم. والهوشان من مواليد المدينة النبوية الشريفة (1347هـ/1929م)، ولهذا فهو خبيرٌ ببعض الجوانب المهمة من تاريخ هذه المدينة -كما سيأتي-.
وقد وُصف الهوشان بأول سوربوني سعودي في الحقوق والقانون، ومن أوائل المحامين السعوديين حملة الشهادة العليا في هذا التخصص آنذاك إن لم يكن الأول الذي جمع بين الشهادة العليا والمحاماة، فهو يُعدُّ من الرعيل الأول من المحامين السعوديين وعَلَمٌ من أعلامهم؛ ومن المساهمين في تطوير المحاماة، وقد لُقب (بشيخ المحامين السعوديين) وكان - رحمه الله - متواضعاً متسامحاً مع الجميع، ويؤكد هذا التواضع والتسامح عدم محبته في الظهور الإعلامي، بالرغم من شهادته الدكتوراه وأسبقيتها وقيمتها العلمية آنذاك، وبالرغم كذلك من مناصبه الكثيرة والكبيرة، وقد وصفه محمد القشعمي بأنه من أعلام الظل حسب تعبيره في كتابه (أعلام في الظل)، وكان الهوشان حليماً حكيماً في تعامله مع الأفكار والثقافات وقضايا الناس العامة والخاصة، كما كان أميناً نزيهاً مع الحقوق الخاصة والعامة والمال العام، حيث لم يَعرف الثراء الذي حصل عليه بعض أقرانه وزملائه سواءً في المناصب أم في مهنة المحاماة، وكفى عن ورعه وزهده أنه توفي - رحمه الله - وهو يسكن شقة قديمة ومتواضعة في مجمع إسكان العليا بالرياض!
وكان كريماً صاحب عطاءٍ وسخاء، ومن الأمثلة على ذلك أن مكتبته الحقوقية المشتملة على كثير من المؤلفات الفريدة والنادرة في الحقوق والقانون أهداها -كمبادرة كريمة منه - عام 2018م إلى الهيئة السعودية للمحامين التي تشكلت أخيراً في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، والمكتبة بكتبها تُعدُّ قيمةً كُبرى للهيئة ومنسوبيها.
وكان صاحب فكر وثقافة قارئاً حُرَّاً، ولم يتلوث ببعض الأفكار الوافدة التي كانت تجتاح العالم العربي في ذلك الوقت، وتجذب بعض شباب العرب والمسلمين وبعض مثقفيهم كالناصرية والاشتراكية والشيوعية، فقد تجاوز الهوشان إلى حدٍ كبير هذا الواقع بالثبات على عقيدته ودينه وقيمه الإسلامية، ومات على ذلك نحسبه كذلك والله حسيبه ومولاه، وقد قال عن سمات عصره الفكرية وتجاذباتها المهمة: «لقد كنا نتابع بشغف شديد جميع ما تنتجه مصر في ذلك الوقت من مجلات وكتب. وكنا نتابع ونتأثر بالمعركة الدائرة في ذلك الوقت بين فئة (الجامعيين) المنبهرين بحضارة الغرب وعلى رأسهم مصطفى عبد الرازق وطه حسين، والفئة المحافظة المقاومة للغزو الفكري الأجنبي والمتصدية للحملة (العلمانية) المعلنة وهي الفئة التي كان يتزعمها مصطفى صادق الرافعي وعباس محمود العقاد والدكتور زكي مبارك».
بل إنه وَصَفَ إحدى مراحل حياته العمرية أو إحدى رحلاتها بـ(رحلة التيه)، وذلك في مقابلته الشهيرة مع مجلة اليمامة، وربما قَصَدَ بهذه العبارة بُعده العلمي حول أهمية التشريعات الإسلامية وقيمتها الكبرى وما فيها من المنافسة للقانون الفرنسي في كمال العدالة، ويؤيد هذا الاستنتاج عن تعبيره برحلة التيه، أنه ذَكَرَ استفادته الشرعية الكبيرة في مجال النظم والتنظيم من كلٍ من معالي الأستاذ مُطلب النفيسة ومعالي الشيخ صالح الحصين - رحمه الله -، وقد أثنى عليهما وشكرهما.
وكان غيوراً على دينه وتاريخ وطنه من التزوير أو الإساءة لأنصار المدينة! كما هو في إحدى مقالاته عن بعض من سكن المدينة النبوية الشريفة.
ومن ذاكرته التاريخية ما ذكره في مقابلته مع مجلة اليمامة عن المدينة المنوّرة - آنذاك - حيث قال: «لم يكن فيها سوى شارعاً واحداً مسفلتٍ، فكل شوارعها وأزقتها ترابية سوى الشارع الرئيسِ المؤدي إلى الحرم النبوي الشريف والمعروف بشارع العينية، وهو مرصوف بحجارة (الحرة) وهي من الحجارة البركانية السوداء التي تحيط بالمدينة المقدسة من جهتين. ولم نكن نعرف السيارات سوى سيارة وكيل الأمير والسيارات الكبيرة التابعة (لنقابة السيارات) التي تأتي إلى المدينة المنوّرة أيام الحج لنقل بعض الحجاج القادرين، ولكن الغالبية العظمى من الحجاج يأتون على قوافل الجمال خاصة الحجاج المصريين الذين يقضون أوقات الرحلة بالأغاني الدينية (والزغاريد) يصدحون بها خاصة عند دخولهم المدينة المنوّرة من باب العنبرية، وأما الحجاج الأفارقة فقد كانوا يأتون مشياً على الأقدام منذ عبورهم البحر الأحمر».
«ولم تكن هنالك كهرباء سوى مولدات الكهرباء الخاصة بالحرم الشريف، ومولد الكهرباء الخاص بقصر الإمارة. وكانت الشوارع تضاء بفوانيس من الكيروسين (الأتاريك) وتُرفع على أعمدة من الحديد وتنطفئ عندما ينفد وقودها بعد صلاة العشاء. وفي أيام الصيف ننام على سطح المنزل وكانت السماء تبدو قريبة ونجومها ساطعة، وكان أبي يعلمنا أسماء النجوم ومجموعاتها حتى أصبحنا نعرفها كما نعرف جيراننا». ولهذا فلا غرابة أن يكتب الهوشان عن أحد الأطياف السكانية في المدينة بعلمٍ ومعرفة تاريخية. كما هو مقاله في مجلة البيان اللندنية حول الافتراء على التاريخ.
ولأهمية المعرفة عن كثير من الجوانب التاريخية المجهولة عند بعض الأجيال وأهمية جوانب الاقتداء والاستفادة من القدوات، فإن القراءة عن هذه الشخصية، وعن ما كُتب عنها، وعن عصره المخضرم المبتدئ بتحديات بدايات التنمية وصراع الأفكار، مما يؤكد وجوب الإثراء المعرفي والعلمي والثقافي عن شخصيات الوطن ورجالاته بالترجمة المتنوعة عنهم، ولتعدد المقالات عنه والمقابلات معه وطول بعضها وتداخل أحداثها تم استخراج أبرز محطات حياة المذكور.
محطات الهوشان الحياتية (العلمية والعملية):
1. ولد محمد بن حمد الهوشان (العجمي) في المدينة النبوية الشريفة سنة 1347 للهجرة الموافق 1929م.
2. التحق الهوشان بكتاتيب حي العنبرية بالمدينة، وهي المدارس القرآنية التي يتعلم فيها الطلبة القرآن الكريم والقراءة والكتابة، حيث أتقن الهجاء وفق القاعدة البغدادية، ثم درس في مدرسة تُعرف بـ(الصبّاغة) وهي المدرسة الابتدائية الوحيدة بالمدينة، وبعدها التحق بالمدرسة الثانوية الوحيدة (ثانوية طيبة العتيدة) بالمدينة كذلك، وكانت مدة الدراسة فيها خمس سنوات.
3. كان قارئاً وحريصاً على التحصيل العلمي والثقافي خارج دائرة المناهج الدراسية، وقد استفاد من والده في التوجيه الديني والشرعي، حيث كان يكلفه بقراءة سيرة ابن هشام ويعلمه الأذكار من الكتاب والسُنَّه، كما تتلمذ وقتها أيضاً على يد الشيخ عبدالله بن هاشم يماني (والد وزير الصناعة والكهرباء السعودي الأسبق هاشم عبدالله يماني) الذي علّمه الكثير عن ابن تيمية وابن قيم الجوزية والإمام الصنعاني وغيرهم.
4. اشتغل أثناء دراسته بمطالعة الصحف والمجلات خاصةً المصرية القادمة إلى الحجاز، فكان على اطلاعٍ على كثير من المعارك الأدبية والفكرية المنشورة في تلك الصحف، وكان لهذا أثره على شخصيته العلمية الثقافية.
5. التحق في (مدرسة تحضير البعثات) بمكة المكرمة والتي تُعدُّ السنة السادسة في إكمال المدرسة الثانوية، وكان ذلك عام 1368هـ/1949م، ودرس فيها اللغة الفرنسية لمدة سنة، وكان متفوقاً في دراسته، وحصل على الترتيب الأول من بين زملائه عام 1369هـ/1950م، وهو ما أهَّله للحصول على بعثة دراسية إلى مصر.
6. التحق بالبعثة الدراسية بمصر عام 1369هـ/1950م، وذلك في كلية الحقوق بمصر في (جامعة فؤاد الأول)، وبعد مضي أربع سنوات تقريباً تخرج الهوشان من هذه الجامعة التي تغير اسمها إلى (جامعة القاهرة) وكان ذلك في عام 1374هـ/1955م تقريباً.
7. ارتبط وظيفياً بشركة «أرامكو» بالظهران عام 1374هـ/1955م، حيث اختير مع 4 سعوديين آخرين ليكونوا ضمن كبار موظفي الشركة، وكان حريصاً على الالتحاق بالإدارة القانونية للشركة لرغبته الممارسة في تخصصه لكنها كانت خاصة بالأمريكيين، فتم تعيينه في إدارة علاقات العمل داخل «أرامكو» في ذلك الوقت، وكان مسؤولاً عن القضايا العمالية ونائباً لرئيسها، وفي هذه الفترة كان له دور بارز في إصدار صحيفة «الفجر الجديد» والتي صدر عددها الأول في 18 رجب 1374هـ الموافق (11 مارس 1955م) وتوقفت بعد صدور عددها الثالث.
8. عندما تأسست (مصلحة العمل والعمال) بالدمام عام 1374هـ/1954م انضم إليها الهوشان ضمن مجموعة من خيرة الموظفين الوطنيين آنذاك، ومكث فيها حتى عام 1377هـ/1958م، وكان هذا استجابةً من الملك سعود - رحمه الله - لمطالب العمال واحتجاجاتهم المتكررة بسبب التمييز في الأجور، والأجور المتدنية للعمال وأوضاعهم السكنية غير اللائقة بهم وبأبنائهم، ومن أبرزها إضراب العمال عام 1373هـ/ 1953م، كما كان تأسيس المصلحة للضغط على شركة «أرامكو» لتحسين ظروف العمال، وهذه المصلحة هي نواة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية فيما بعد كما ورد عن ظروف تأسيس هذه المصلحة، في صحيفة الجزيرة بتاريخ (30 يناير 2016م و25 نوفمبر 2017م).
9. التحق الهوشان بـ(مصلحة معاشات التقاعد) بالرياض عام 1378هـ/1958م وهو العام الذي تأسست فيه المصلحة مستقلةً عن وزارة المالية، ليصبح أول رئيس لها، وقد أسهم في تأسيس إدارتها، كما أسهم صالح الحصين في بعض أنظمتها من خلال شعبة الخبراء بمجلس الوزراء.
10. في أواخر عام 1381هـ/1961م حصل على بعثة دراسية إلى فرنسا لإكمال دراسته العليا، فنال دبلوم الدراسات العليا المعادل لدرجة الماجستير من جامعة بواتييه، وأتبعها بالالتحاق بجامعة باريس الأولى «السوربون» لنيل درجة الدكتوراه.
11. عاد إلى السعودية في عام 1385هـ/1965م حاملاً درجة الدكتوراه العلمية الرفيعة، وتمّ انتدابه للعمل في منظمة الدول المصدرة للنفط «الأوبك» في مقرها بمدينة فيينا النمساوية، حيث مكث فيها قرابة السنتين رئيساً لقسم الدراسات المتخصصة.
12. عاد إلى الرياض تقريباً عام 1386/1967م لمواصلة عمله في مصلحة التقاعد.
13. عمل أستاذاً مساعداً في كلية التجارة حسب اسمها السابق بجامعة الملك سعود، والتي أصبحت باسم كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية فيما بعد، وفيها ألف مجموعة من المحاضرات في كتاب سماه «مقدمة دراسة علم الأنظمة»، ولم يتم العثور على نسخةٍ منه حتى كتابة هذه الورقة، وعنه قال في مقابلته مع مجلة اليمامة: «وقد سلكتُ فيه مسلكاً غير مسبوق، فقد جعلتُهُ عبارة عن دراسة مقارنة بين الشريعة الإسلامية والقانون الفرنسي (كما هو مطبق في البلاد العربية) والقانون الأنجلو أميركي بحكم علاقتنا الاقتصادية التي كانت قد بدأت في ذلك الوقت مع أمريكا وبريطانيا على وجه الخصوص».
14. افتتح مكتباً للمحاماة بجوار مكتب الدكتور مطلب النفيسة الرئيس الأسبق لشعبة الخبراء بمجلس الوزراء السعودي، حيث كان النظام يسمح بقيام الموظف العام بالعمل الخاص، وعن هذا قال في مقابلة له مع مجلة اليمامة: «وكان مكتبي بجوار مكتب الدكتور مطلب النفيسة في مبنى العزيزية بشارع الوزير. وأريد أن أشيد بما تعلمته من صديقي الدكتور مطلب. فقد كان له فضل تجديد معلوماتي الفقهية بعد عودتي من (رحلة التيه) في فرنسا. فهو الذي قدم إلى مؤلفات الدكتور مصطفى الزرقا وغيره من فقهاء الشريعة المعاصرين، كما أريد أن أُذكِّر بالفضل بما قام به المرحوم الأستاذ صالح الحصيّن من أبحاث بنّاءة، استفدت منها كثيراً».
15. عندما تأسست (اللجنة الوطنية للمحامين السعوديين) المنبثقة من مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية، كان رئيساً لها بالتعيين مرتين، ومرةً ثالثة بالانتخاب.
16. تم انتخابه من قبل (لجنة غرفة التجارة الدولية) في مجلس الغرف ليكون عضواً في محكمة التحكيم الدولي في غرفة التجارة الدولية ما بين عامي 1994م و1997م.
17. بعد صدور نظام المحاماة تم تعيينه عضواً في (لجنة تأديب المحامين) إلى جوار الشيخ يوسف الفرج والأستاذ صالح العجاجي من وزارة العدل لمدة ثمانية أعوام.
18. من المهام التي قام بها ترؤسه لوفد سعودي حكومي إلى فرنسا بالاشتراك مع الدكتور حمد الخويطر المستشار بالديوان الملكي بأمر من الملك فيصل في سبعينيات القرن الماضي بهدف التعريف بالسعودية، وَحَثِّ الشركات الفرنسية على المساهمة في تطوير البنية التحتية للمملكة وفق خطط التنمية الشاملة التي انطلقت مع مطلع فترة الطفرة النفطية الأولى، وكان في هذه المحطات أنموذجاً في النجاح والتميز في مشوار حياته سواءً الشخصية منها أم الإدارية.
** **
- د. محمد الهوشان
info@the3rdsector.org