يفرح المؤمنون في مشارق الأرض ومغاربها لقدوم شهر رمضان المبارك. وكيف لا يفعلون وهو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، شهر العبادة التي وُكل أمر ثوابها إلى الخالق جل وعلا: «إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به».
لكن ما استرعى انتباهي وأنا أبحث في هذا الموضوع أن تعبير الشعراء المسلمين عن بهجتهم بالشهر الكريم وحض بعضهم بعضاً على صيامه وقيامه لم يظهر إلا متأخرا، فنكاد لا نجد في عصري الراشدين والأمويين شيئاً من ذلك. أما في العصر العباسي فأكثر ما نجد أبيات الشعراء المجان والخلعاء وهم يعبرون عن تخوفهم لقرب الشهر الكريم، وما سيفرضه عليهم من حرمانهم المتع التي غرقوا فيها، كما نجد قصائد في تهنئة الخلفاء والولاة والأمراء بالشهر الكريم.
أما في العصور المتأخرة وإلى يومنا هذا فقد تبارى الشعراء مرحبين بالشهر الكريم وبهلاله وبلياليه وأيامه، ومعددين فضائله ومزاياه، وموضحين حكمة فرضه وضرورة العمل على تحقيق هذه الحكم.
وفي هذا المقال اخترت نماذج مما قاله بعض الشعراء السعوديين في رمضان.
وصف محمد علي السنوسي - رحمه الله - رمضان بأنه أمل النفوس الظامئات، وموسم الصيام والقيام والصلوات والدعوات، وشبه سباحة الأرواح المؤمنة في هذا الشهر العظيم بسباحة أسراب الحمام في الفضاء؛ لأنها تخلصت من الذنوب وتفرغت للطاعة والعبادة والمحبة والسلام. يقول:
رمضان يا أمل النفو
س الظامئات إلى السلامْ
يا شهرُ بل يا نهرُ ينهل
من عذوبته الأنام
طافت بك الأرواحُ سا
بحة كأسراب الحمام
رمضان نجوى مخلص
للمسلمين .. وللسلام
أن يلهم اللهُ الهدا
ةَ الرشدَ في كل اعتزام
ويشبه الشاعر الدكتور عبدالله بن سليم الرشيد شهر الصيام بالنهر الجاري الذي يغسل الأردان التي تراكمت من الشهور السابقة له، ويحث الشُّعث الغُبر بسبب الذنوب على الاغتسال منها:
مرَّ شعبان فلم تَحفَل به
روحُه الملقاةُ بين الهمَّلِ
عجباً من أغبر ذي شعثٍ
مرَّ بالنهر فلم يغتسلِ
ولكاتب هذا المقال قصيدة بعنوان (رمضان) يُذكِّر نفسه وإخوانه بما يجب فعله في أيامه ولياليه، فيقول:
فاغنم من الشهر الكريم نهارَهُ
بالصومِ والصلواتِ والقرآن
والليلَ فاسهرْ خاشعا متهجِّدا
متعوِّذا من سِيرةِ الشيطان
واشكرْ إلهكَ إذ أراكَ طريقَهُ
وهداك للإسلام والإيمان
وفي شهر الصيام تصوم الجوارح كلها عن معصية الله تعالى، فتصوم العين بِغضّها عما حرم الله النظر إليه، ويصوم اللسان عن الكذب والغيبة والنميمة، وتصوم الأذن عن الإصغاء إلى ما نهى الله عنه، وفي هذا المعنى يقول حمد العسعوس:
ليس الصيام صياما عن موائدنا
بل الصيام لجام عن مخازينا
من لم يصم قلبه ضاعت فضائله
لا ينفع الصوم قلبا وهو يؤذينا
إن لم نصم عن حديث في مجالسنا
بالسوء فالصوم جوعا ليس يغنينا
ويصف الدكتور عبدالرحمن العتل شهر الصوم بأنه مهذب للأخلاق ومؤدب للرغبات، فيقول:
هو موردٌ للظامئين وكوثرٌ
عذبٌ يفيض بزاخر النعمات
ومهذبٌ للناس في أخلاقهم
ومؤدبٌ للقول والرغبات
ولعبد الرحمن العشماوي قصيدة بعنوان (أبا العشر الأواخر) يستهلها بالتعبير عن تشوقه للشهر الكريم، ويختتمها بتوجيه اعتذاره لشهر الخير لاستقباله بالدم والدموع مما أصاب الأمة. ومع أن القصيدة قيلت منذ سنوات لكنها ما تزال طرية إلى يومنا هذا:
عُذرًا - أبا العشر الأَواخر - إننا
نلقاك والدَّمُ والدموعُ سجامُ
ضمُّوا العراق إلى فلسطين التي
سُلِبَتْ ويُخشى أن تُضَمَّ الشام
والأمة الغرَّاء تمضَغُ ثوبَها
وَهْنًا وتلبسُ ذُلَّها وتنام
** **
- سعد عبدالله الغريبي