د.محمد بن عبدالرحمن البشر
شهر رمضان الكريم هذا العام ليس كسائر شهور رمضان مضت، فهو رمضان عام وباء كورونا، وقد فرض هذا الوباء غير الحي نفسه ليغير من أنماط الحياة لدى العالم أجمع الاقتصادية والاجتماعية وربما العلاقات الدولية، ومن أثره الاجتماعي بقاء الناس في بيوتهم محجورين، لا يحيدون عنه قيد أنمله، خشية الإصابة، حمانا الله وإياكم.
لقد حبى الله عباده رخصاً عديدة في مواضعها وظروفها، وحث العباد على الأخذ بها تعبداً فإن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يحب أن تؤتى فرائضه، وكل من عند الله، لذا ستكون الصلوات المفروضة والسنن بما فيها التراويح داخل المنازل، امتثالاً لشرع الله، ومن ثم امتثالاً لتوجيهات الدولة التي تتماشى مع شرع الله في مثل هذه الظروف، وحرصاً على سلامة المواطن والمقيم.
وكلنا يعلم أن دور العبادة في سائر دول العالم التي حل بها هذا الوباء، قد أغلقت أبوابها، انتظاراً لزواله بإذن الله في القريب العاجل.
نحن مسلمون نعيش هذه الأيام المباركة نبتغي ما عند الله بالتقرب إليه، والوقوف بين يديه، في منازلنا ومع أهلنا، متعبدون إياه من خلال الصيام والقيام، إضافة إلى عبادة أخرى، وهي امتثال ما أباحه لنا من رخص في ظل هذه الظروف.
إن من أبدى تحسراً على عدم صلاته للفروض والنوافل في المساجد، ومن ضمنها التراويح في ظل هذا الحدث الجلل الذي حل بالعالم، ظن أنه قد جانب الصواب في شعوره، مع اليقين أن تعلقه بالمساجد هو الذي دفعه إلى الشعور بهذه الحسرة، لكن عليه أن يرى المكسب العظيم بإضافته إلى الصلاة وذلك من خلال اتباع رخص الله في الصلاة في البيوت، ففي ظني أن الأجر سيتحقق بإذن الله، ما أجمل أن يكون المسلم واعياً مدركاً لدرء المفاسد، وأنها مقدمة على جلب المصالح، وما أجمل أن يتدبر المسلم القرآن، ويتصفح ما كتب من سنن المصطفى عليه الصلاة والسلام، وأن يتتبع اجتهاد من جاء بعد رسول الله.
لقد اجتهد أبو عبيدة بن الجراح اثناء الطاعون عمواس، فرأى أن من الصواب البقاء في الشام، وأشار بذلك على عمر بن الخطاب، ولم يوافقه عمر رضي الله عنه الرأي، وعاد من حيث أتى، وسلِم عمر رضي الله عنه، وظل يخدم الإسلام والمسلمين حتى يوم مقتله، بينما عاد أبو عبيدة بمن معه من الجند إلى الشام، فتوفي رحمه الله، وثلة مباركة كانت معه، مقاتلاً مأجوراً، لكن الأمة خسرت قائداً عسكرياً مميزاً كان يقع من عمر رضي الله عنه في سويداء قلبه، فهو يحبه ويقدره، وقد أزاح خالد بن الوليد من القيادة، ووضعه مكانه، وليس من اليسير أن تجد قائداً يحل محل خالد بن الوليد.
رمضان هذا العام سيكون التواصل فيه مع الأقرباء عبر وسائل التواصل المتاحة، والتي ولله الحمد تحمل الصوت والصورة، فقد حبى الله لنا الكثير من النعم، ومن ضمنها هذه الأداة الفعالة.
أليس حقاً يستنتج لنا البقاء في المنزل متسعاً من الوقت لقراءة القرآن وتدبره، وقراءة بعض الكتب المفيدة، التي تبين رسالة الإسلام الحقة، رسالة السلام والخير والمحبة، والبعد عن الغلو والتطرف الذي أساء إساءة كبيرة للإسلام، متمنين أن يأتي اليوم الذي لا يحمل الفكر المتطرف مسلماً واحداً.
رمضان هذا العام، يتيح لنا إطالة في الركوع والسجود وزيادة في الدعاء، والتبتل، والخشوع، والتوجه إلى الله بقلب سليم في ظل انتشار هذا الوباء، والإسلام الحق السهل الداعي إلى اليسر يريح القلب ويبعث على الطمأنينة والدعاء إلى الله مباشرة دون توسط بأحد، أو توسل بشجر أو حجر.
رمضان هذا العام سيكون مختلفاً لكنه جميل حقاً، كما مضى من شهور رمضانية رائعة، إضافة إلى مكسب اتباع الرخصة فدعونا ننظر إلى هذا الشهر الكريم في ظل هذه الجائحة بمنظور إيجابي يدعوا إلى التفاؤل والأمل، ويبعث الاطمئنان واليقين بأن الله يدير الأمر بما فيه خير للعباد، ولله الأمر من قبل ومن بعد.