د. محمد عبدالله العوين
بعد أن تم تطبيق الحجر وقاية من كورونا تجلت في تويتر ظاهرة العودة إلى الماضي من خلال استعراض بعض المغرّدين صورهم القديمة؛ مرابع الصبا ومسارح الفتوة والانطلاقات الأولى المبكرة في الحياة، واسترجاع الذكريات مع الأصدقاء والخلان وزملاء الدراسة في المراحل المختلفة من الابتدائية مروراً بالمتوسطة والثانوية فالجامعة، والتوقف عند لقطات نادرة في حفلات أو رحلات المدرسة، والعودة إلى الأماكن القديمة، والشغف باستعادة الذكريات المتعلّقة بما يقدّمه المغرِّد في حسابه من صور.
وتختلف الصور المعروضة، فبعضها لا يعبّر إلا عن معنى واحد أراده المغرِّد؛ وهو الاعتزاز بالماضي والحنين إليه مهما كان فقيراً أو متواضعاً في المعيشة والسكن واللباس والمركب، واستعادة ما تثيره الصورة من أشجان نحو الإنسان والمكان، وهذا هو المألوف.
لكن ثمة مَن يعرض صوراً قديمة في إطار وهدف محدَّد يتحدث فيه عن إنجازاته وانتصاراته فقط وما حققه من نجاحات عرضاً لا يخلو من حالة زهو وافتخار واعتزاز بمَن لقيهم من المسؤولين والوجهاء والمشاهير والأعيان، وهذا من حقه؛ فهو تاريخه الشخصي يعرضه كما يشاء ما دام أنه يملك الدليل عليه؛ غير أن ما يرد إلى الخاطر من تساؤلات عمَّن يعرض الإنجاز والنجاحات فحسب هو: لمَ لا يلتفت بين حين وحين إلى الماضي البعيد حين كان شاباً يافعاً فقيراً لا يملك من الحياة قطميراً في قرية ريفية نائية؟ أيرى في استعراض صور من حياته الأولى الأقرب إلى البؤس ما يحط من شأنه أو يقلِّل مما وصل إليه من نجاح وتفوق؟ أم هل نلتمس له عذراً في أنه لا يملك من الصور القديمة ما يوثِّق به تلك المراحل الأولى من حياته الريفية الفقيرة؟ أيرى غضاضة أو مهانة في الفقر؟ إن كثيرين من العباقرة والناجحين والمميزين في مجالات السياسة والأدب والعلم والفن والإعلام كانوا فقراء معدمين، اجتهدوا وكافحوا وسهروا وتعبوا وغامروا واشتغلوا بأعمال متواضعة، بل ربما جمعوا بين أكثر من عمل بسيط ليكسبوا رزقًا حلالاً يعينهم على مواصلة تحقيق طموحاتهم، وفي تاريخ سير الكبار في العالم؛ وليس في وطننا أو عالمنا العربي ما يحسن الوقوف عند من كتبوا سيرهم بتفاصيل دقيقة عميقة حين كانوا يكدون ويكدحون ويقاومون السقوط والتعثّر بالاشتغال بأعمال شاقة متعبة كسائقي سيارات أجرة أو حمّالين أو بائعين أو حتى عاملين في مطاعم يغسلون الصحون وينظِّفون المطاعم والمقاهي في بلاد الغربة جامعين بين العمل والدراسة.
عرض الصور البرَّاقة والجميلة والزاهية في حالات النجاح والتفوّق فقط وغض النظر عن مراحل النشأة الأولى الفقيرة أو البائسة لن يلغي تاريخ الشخصية ولن يحيل الماضي كله إلى بريق ولمعان فقط.
إن عرض الصور والتعليق عليها هو بمثابة سيرة ذاتية مصوَّرة، والمفترض في كتابة السيرة من خلال الصورة الأمانة والصدق والموضوعية.
أما أن تكون السيرة المصوَّرة كلها إنجازات عظيمة طوال مسيرة المغرِّد دون أن تشير لقطات معدودة إلى الجوانب الأخرى الكادحة؛ فهو نقص فادح في الشخصية واستعراض مترفِّع لا جدوى منه.