أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: نكمل الحديث عن تحديد آفاق (سحابة امرىء القيس).. وما ورد فيها من روايات؛ فرواية ثبير غير صحيحة؛ لأنه ليس في الأثبرة التي ذكرها المعجميون ما يقرب من سحابة (امرىء القيس)؛ فلم يبق إلا رواية أبان:
كأن أبانا في عرانين وبله
كبير أناس في بجاد مزمل
ورواية يذبل غير صحيحة؛ لأنه جبل في بلاد باهلة؛ وهو بعيد جدا عن شيم سحابة (امرىء القيس)، وكذلك رواية ثيتل قرية بني صمان في النباج؛ لأنه ما دام أيمن السحاب على قطن وأيسره على ستار غسل جوار سميرا، فلا بد أن يكون قرب ستار غسل؛ لأن أيسر السحاب على ذلك الموضع أيضا؛ فلم يبق إلا رواية نبتل:
علا قطنا بالشيم أيمن صوبه
وأيسره على الستار فنبتل
وقد ذكره المعجميون القدماء بالوصف المجمل بأنه جبل في ديار طيىء قرب أجا.. بيد أن (موزل) حدده بأنه منهل شمال قرية الغزالة؛ وإذن فسحابة امرىء القيس ممتدة في الأفق من قطن إلى شمال الغزالة.
قال أبو عبدالرحمن: وربما تسأل متسائل فقال: هل أجنبت سحابة (امرىء القيس) حتى شملت كتيفة؟!.. وهل شرقت بعد ذلك حتى غمرت أبانين؟!.
قال أبو عبدالرحمن: أما مطرا من السماء إلى الأرض فلا، وأم سيلا من الأرض إلى الأرض فنعم.. ذلك أن السحابة أمطرت من السماء على الأرض فيما بين قطن وسميرا وشمال الغزالة ثم انحدر السيل من الشمال إلى الجنوب.. من الأرض إلى الأرض حتى دك في وادي الرمة، ثم شرق الوادي حتى غمر أبانين؛ ولهذا فامرؤ القيس يصف سيلا يجري لا مطرا ينزل:
فأضحى يسح الماء حول كتيفة
يكب على الأذقان دوح الكنهبل
كأن أبانا في عرانين وبله
كبير أناس في بجاد مزمل
والدوح الشجر العظام، والكنهبل الشجر الضخم من العظاه، وكب السل للشجر على أذقانه بعد اجتثاثه كناية عن غزارته، وهاهنا رواية عجيبة، وشرح اعجب للشيخ مصطفى السقا رحمه الله تعالى.. الرواية:
وأضحى يسح الماء عن كل فيقة
والشرح الأعجب: أن السحاب يسح الماء ثم يسكن شيئا؛ ثم يسح.. وذلك أغزر له!!.
قال أبو عبدالرحمن : هذا المعنى غير صحيح أصلا؛ لأن الكلام عن سيل يسح ويجتث الشجر، وليس الكلام عن مطر ينزل، والسيل الغزير الذي يجتث يتواصل ولا يتوقف توقف الفيقة بين الحلبتين، وكون المطر يغزر إذا سح ثم سكن مجرد دعوى.. والسح صفة السيل لا المطر، ورواية بيسان غير صحيحة لبعده، والصواب رواية القنان:
ومر على القنان من نفيانه
فأنزل منه العصم من كل منزل
وهو جبل الموشم فوق سميرا يقرن في كلام المعجميين وشواهد الشعر بحبشي وصارة، وهذا وصف مطر لا سيل، والمطر همل على القنان شمالا ثم تحدر إلى الجنوب سيلا، واختلف الناس في المراد بتيماء هاهنا فذهب شيخنا حمد الجاسر رحمه الله تعالى إلى أنها بلد السموأل في الشمال الغربي.. قرر ذلك وهو يتكلم عن قويرة صغيرة اسمها تيماء قريبة من مصب سحابة امرىء القيس لما تحدرت إلى الجنوب سيلا.. ووصفها شيخنا بأن طريق المدينة من القصيم يدعها ذات اليمين قبل أن يصل إلى منهل النقرة بما يقارب أربعين كيلا، وقال الهمداني خلال ذكره للمواضع الواردة في حدود سحابة امرىء القيس: (تيماء منزل كثير النخل عادل عن محجة العراق، وهو غير تيماء السموأل).. وقال شيخنا (محمد العبودي): ((وإلى جانب نص الهمداني هذا على أن تيماء ليست تيماء السموأل؛ فإن وجود تيماء أخرى في تلك المنطقة كان قد تقرر في أذهان بعض سكانها ممن ليس لهم إطلاع على التاريخ القديم.. حدثني (كنعان بن عايش السليمي) من ولد سليم سكان (البعيثة) وما حولها قال: إنه يوجد مكان إلى الشمال من هجرتهم البعيثة الواقعة إلى الشمال من الحاجر على بعد حوالي أربعة أكيال يسمى (الروضة) جاءهم سيل عظيم فأظهر لهم فيهم سبعة عشر قليبا مطوية عمروا منها الآن قليبين إحداهما عليها آلة رافعة للمياه.. ويقول: إن بعضهم قال: إن اسمها في القديم كان تيماء. وأن فغانة جبل إلى الشرق منهم اسمه دغانه في القديم)).
قال أبو عبدالرحمن: سمعت بقصة السيل وما صاحبه من أكثر من مصدر بالبعائث، ووقفت على القليبين بالروضة.. وذكروا تيماء في ديارهم، واستشهدوا بشعر (امرىء القيس) ومصدرهم السماع من قاضي حائل الشيخ ابن بليهد رحمه الله تعالى، وتيماء امرىء القيس غير تيماء السموأل، وإلى لقاء قريب إن شاء الله تعالى، والله المستعان.