خالد الربيعان
لي صديق، أهم شيء عنده هو العمل في الجزء الأكبر من يومه، لا يستريح ولو يومًا واحدًا في الأسبوع، بإرادته. يأتي إلى المنزل فيهاتفني؛ فأعرف أن مَن معه في المنزل قد ضجوا من حديثه بعد الدوام عن مشاكل عمله، ولماذا فعل فلان (زميله بالعمل) ما فعل، وتأويل موقف أو كلمة قالها آخر..
يُنهي عمله، ويذهب لمنزله جسدًا فقط، تاركًا عقله بمكتبه، يأخذ بدلاً منه ملفًّا آخر مليئًا بأحداث اليوم من أقوال وأحداث وأشخاص؛ «ليعمل» فيه من المنزل، هو ومَن معه من أفراد أسرته، وأنت تحيط علمًا بنفسياتهم من الجو الذي يفرضه عليهم بهذا السلوك، ومشاعرهم التي تتغير ناحيته! فضلاً عن واجباته نحوهم التي تأثرت، وهي واجبات معنوية وعاطفية في المقام الأول، فضلاً عن أخرى تفرضها طبيعة «موقعه» في أسرته، بوصفه قائدها ومسيِّر أمورها!
أقول له دائمًا «خذ إجازة».. بإرادتك! بدلاً من أن تُفرض عليك. على مدى سنوات مدة صداقتنا لا يسمعني، وكان يخبرني بين الحين والآخر بأشياء من نوعية: أعراض برد أصابه «فلزم بيته»، ظرف قهري أوقف سير العمل؛ فاضطر الجميع لإجازة من نوع جديد، لا عارضة ولا مرضية، بل إجبارية قدرية!
ما الفائدة من الكلام؟ الفائدة أنه لا بد من توقُّف، استراحة؛ لأنك لن تكمل إلا بها. إذن الإجازة جزءٌ من العمل، وسبب لتُحسنه مستقبلاً. هناك مَن يفهم بالإشارة فيُعمل عقله، وهناك العكس؛ فتفرضها الأقدار عليه. انظر للصورة الكبرى ستجد أن العالم نفسه في حاجة لهذه الإجازة؛ ففُرضت علينا إجبارًا، يا أخي حتى الحيوانات تعبت منا!
لخَّص الكلام يا خالد، ثم ما علاقته بالرياضة؟ أقول لك إنَّ الرياضة واقتصادها جزءٌ من حركة الحياة والشعوب والمجتمعات.. ولمسنا ذلك بأنفسنا بعد أن رأينا ارتباطها بالسياسة والاقتصاد والصحة والتجارة، وكيف تأثرت بالفيروس، مثلها مثل قـط في زقاق، اختلفت حياته تمامًا الشهور الثلاثة الماضية؛ فعايش نمط حياة لم يعتده من قبل، وفوجئ - مثلنا -، واندهش، ثم خاف وارتعب، ثم سلم الأمر لـ»صاحب البيت»! رضي وسلم، ويحاول التكيف، وأخيرًا ينتظر الفرج.
الرياضة الآن كذلك، ومحاولات الإنسان البائسة المضحكة لكي يرجع أمورها كما كانت بأي طريقة لن تجدي؛ لأنك تعاند الطبيعة، فضلاً عن الدافع المحرك لكل هذا، وهو «الجشع والربح». وينبري الكتّاب والأقلام ليتبنوا وجهة النظر نفسها! «أي نعم، كرة القدم ترجع بدون جماهير»، متناسين أن ذلك يخدم كل الأطراف إلا الجمهور! شبكات البث والأندية واللاعبين والاتحادات.. أما أنا وأنت ونواف و.. فلنشاهد من المنزل. اربحوا أنتم ونحن تحت أمركم!
العقول والأقلام على الساحة الرياضية - كما أفترض - يجب أن تكون ضد عودة كرة القدم بدون جماهير، والتسفيه والسخرية من محاولات بشرية حمقاء لإرجاع الأمور كما كانت في الوقت الذي نختاره نحن.. أفكار مثل التشجيع بالمنزل عبر تطبيق بالهواتف الذكية (جدًّا)؛ ليصل الصوت للاعبين بالاستاد (فكرة ألمانية)..
نادٍ آخر يبيع تذاكر افتراضية على موقعه، وطباعة صور لوجوه كرتونية، ولصقها على المقاعد بالمدرجات، وغيرها من أفكار يمكنك اكتشاف المزيد منها بالبحث. أفكار ساذجة - جشعة معًا - دافعها تفادي الخسارة المادية، لا تحترم أهم أعمدة الرياضة من الأساس، وهو «الجمهور»، والممول رقم (1) لها والمستهلك الحقيقي لسوقها؛ فبدونه ستختفي إيرادات التذاكر/ البث التلفازي/ مبيعات المتاجر/ فضلاً عن أهميته الشديدة كقوة دافعة للاعبين والأندية، ثم كيف يُنتج اللاعب شيئًا جماليًّا أمام لا أحد؟ في غياب الدافع رقم (1) لهذا الإنتاج؟ ما جودة السلعة أو المنتج الذي ستسوقه شبكات البث؟!
ماذا عن نقطة معنوية، هي احترام الجمهور نفسه، الذي بالمناسبة لن ينتفع بكرة القدم مع تفشي الوباء أكثر، خاصة مع عودة اللاعبين للتدريبات والمباريات في ظروف استثنائية؟ ومَن يدري، قد يصبح تهديدًا وخطرًا على حياة السادة «أصحاب الياقات البيضاء».. مشهد «عدالة شعرية» جميل، يشبه ارتداد الكرة في وجه مَن سددها!
استمتع بالإجازة
«ما لا يُدرك كله لا يُترك كله»، قول حق، يراد به باطل! العقل يا جماعة الخير، إن الله مع الصابرين، ورمضان كريم.