مها محمد الشريف
عادة الأوبئة الكبيرة تخلف تغييرات هائلة في ثقافات وسلوكيات المجتمعات حيث تُطمس الكثير من السلوكيات السابقة مثل طرق التعاطي المجتمعي في الاجتماعات والمناسبات، فمعدل الإصابة مقياس رئيس في علمي الأوبئة والديموغرافيا وثمة أشياء أساسية في العالم قائمة على هذه المتغيرات بعد جائحة كورونا، وهو ما يجعلنا نتساءل بعد القضاء على هذا الفيروس كيف ستكون الحياة الماضية.
إننا نستخدم كلمات مكررة يومياً ومنها سبب وأسباب ليبدو من الناحية المنطقية جدل متواصل لا ينقطع وتعريفاً لما كنا عليه؛ وعلى سبيل المثال كالجزء الغاطس من الجبل الذي لا نرى منه غير قمته البارزة، وهذا افتراض على قانون السبب والمسبب، فمعظم العمل البحثي للأوبئة يتمثل في محاولة تحديد العوامل أياً كانت طبيعتها اجتماعية، بيولوجية، فيزيائية، وتظل هذه الفكرة محايدة تبتعد بنا عن التحيز للعالم أو للصين ومن كان سبب المرض أو من نشر الوباء.
من الممكن أن نختلف أو نتفق على أن التغيير من منظور عالمي يواجه الخوف والوهن في القوى السياسية ويرفع الآمال إلى فضاء الصراعات.
المثير في الأمر لن يكون على الطاولة المستديرة ذلك الإبريق المزخرف للشاي الصيني ذو ارتباط متسق مع الأدلة البيولوجية في إعادة إنتاج الفيروس مثلاً. فلا يمكن أن ينتهي حجر نصف سكان الكرة الأرضية لعدة أشهر دون أن يترك ذلك تغييراً هائلاً بأفكارهم الاجتماعية والسلوكية ونظرتهم لكافة مناحي الحياة ففي الحقيقة، هناك جزء كبير في الحياة اليومية خاضع لوجود احتمالات كبيرة جداً، الظروف تكون شبه متساوية والتعالي والغطرسة والنرجسية سيتحرر منها الغرب، واستعدادات متقاربة تنتج تداخلات لاحتمالات أخرى، وجزء من الحياة يبدو هامشياً سيعتبره جمع من الناس دون أمل لتداعيات الفقد والحزن على أقربائهم وأحبائهم، وتظل تفسيرات بأثر رجعي تعبر عن الشعور با لخذلان.
فالعالم الثالث مثلاً سيكون أحرص ما يكون من ذلك التماهي مع ثقافة الغرب الذي وصل حد التبعية، إلى نظرة فاحصة تعيد له التوازن ويستطيع أن يقيم الكثير مما رسم من صور جميلة عن الغرب الذي فاجأ العالم بحقيقة نظرته المادية التي يغمز الكثيرون بها بأنهم ضحوا بكبار السن لديهم لأنهم عبء اقتصادي، بل استولوا على معدات طبية كانت ذاهبة لدول أخرى في عودة لنهجهم القديم جداً بالقرصنة فهذا التغير بالنظرة للغرب ليس كل الحكاية فجميع مجتمعات العالم ستشترك بترك الكثير من العادات والسلوكيات والالتزام بالإرشادات العلمية الصادرة من هيئات رسمية.
وهذه عوامل داخلية تتفاعل مع العوامل الخارجية بسبب الظروف المحيطة، بعد أن تسلسل انتشار الوباء في الدول الكبرى والمتقدمة والدول الأكثر تطوراً التي باتت هي الأكثر معاناة، فالعالم شهد الفيروس في نيويورك وإيطاليا وإسبانيا، وهي تقع فريسة الوباء ومات عشرات الآلاف واستعصى معالجة البعض وترك البعض الآخر يلقى مصيره بنفسه، وعكفوا على معالجة آثاره الاقتصادية أولاً، ثم تداعياته الإنسانية.
ربما تكون استجابة متأنية من حكومات الدول الأوروبية وأمريكا، لا شيء يوضح هذا أكثر من مشهد الخلاف مع الاتحاد الأوروبي والدول المتضررة من الوباء، وخلافات الرئيس الأمريكي مع الإعلام والصحافة والديموقراطيين التي جمعت كل الآثار المحبطة على نفسية الشعوب، وتركت أكثر من عشرين مليون عاطل يواجه قدره.
لكن هذا ليس كل شيء فهناك إحصاء لوكالة «رويترز» للأنباء تقول بأن عدد وفيات فيروس «كورونا» المستجد، في الولايات المتحدة تجاوز 40 ألفاً، وهو أعلى عدد وفيات على مستوى العالم، ويعتبر ضعف عدد وفيات إيطاليا صاحبة ثاني أعلى عدد وفيات في العالم أضف إليها النتائج المضللة في العديد من الدول الأخرى.
مع استثناء الذين لم يدخروا جهداً في إنقاذ المصابين بإمكانات هائلة ولكنها أقل من أعداد المصابين، يا لها من أقدار كشفت ركام التاريخ وحطمت هيمنة الإمبريالية والهيمنة الغربية بتعريض نفسها للإمحاء فأخلوا الأرض لركائز جديدة، ارتفع خلالها عدد الأشخاص الذين يعملون من المنزل بشكل مكثف، وفسح المجال للبيئة الافتراضية والتفاعل معها، فرض التعليم عن بعد ودخول مئات الملايين من الطلاب في جميع أنحاء العالم، وإتاحة النظم التعليمية في المجتمعات تتشارك المعلومات والإستراتيجيات والأساليب، وفي هذا الشأن كانت سرعة الاستجابة مقياساً للمتغيرات في ظل انتشار فيروس كورونا.