د. محمد بن إبراهيم الملحم
إعلان إلغاء الاختبارات لطلاب التعليم العام كان متوقعًا من كثير من المراقبين، وكنت أترقب أن يؤخر قليلاً حتى تستمر وتيرة الحماس التي لمسناها لدى بعض الطلاب لوقت أطول فتتحقق لهم استفادة علمية أكثر، بل إني تمنيت أن تقوم الوزارة بإجراء اختبارات «أونلاين» تجريبية تقوم على الثقة في المقام الأول، وهدفها أن تبدأ بخطوة جريئة في هذا المقام وخاصة للصفوف الابتدائية والتي لا يمثل فيها الانتقال من صف لآخر قضية كبيرة، بل إننا نعلم أن نسبة الرسوب وإعادة الصف في هذه المرحلة ضئيلة جدًا لا تذكر، كما أن هذه مناسبة جيدة لإجراء دراسات معمقة ورصد للتجربة تمهيدًا لخطوات أكبر للمستقبل، خاصة أن معالي الوزير مشكورًا أعلن أن التعليم عن بعد هو خيار إستراتيجي، ولعلي اليوم أتوقف عند هذا المعنى الجميل والمهم لأتناوله بشيء من التفصيل.
الخيار الإستراتيجي يعني أمورًا عدة، أولها توفير البنية التحتية، ولدينا في المملكة -ولله الحمد- مختلف أنواع شبكات الاتصال وبنسب جيدة تساعد على المضي في هذا السبيل كخطوة أولى تتطور وتنمو مع نمو الشبكات وتوسعتها وزيادة طاقتها لتنافس الدول المتقدمة في هذا المجال، أما في المدارس فلا شك أنها يجب أن تشهد خطوات جبارة في توفير مزيد من الأجهزة الحديثة سواء أجهزة الكمبيوتر نفسها أو مودم التوصيل بشبكة النت عدا الأجهزة المساندة كالكاميرات ولاقطات الصوت الممتازة، والتجهيزات الرديفة مثل الكاميرات الضوئية والإضاءة. ونتوقع أن نرى حزمًا من البرامج التدريبية أو حتى الدبلومات المتخصصة لخدمة هذا المجال سواء للمشغلين الفنيين مثل أمناء مراكز مصادر التعلم، وذلك في الجوانب الفنية البحتة، أو للكادر التعليمي من معلمين ومديري مدارس ومشرفين في الجوانب التعليمية وطرق التدريس عن بعد وكيفية صياغة المحتوى والإعداد للدروس لهذا النوع من التعليم، كما نتوقع أيضًا حركة نشطة في إنشاء مراكز متخصصة وبرامج متخصصة تدعم كل هذه الأنشطة سواء في القطاع الحكومي (لدى الجامعات أو حتى لدى الوزارة نفسها) أو لدى القطاع الخاص كالشركات التعليمية والمدارس الأهلية.
المهم إنه ينبغي أن تتوفر خطة إستراتيجية لهذا المجال طالما أنه سيغدو خيارًا إستراتيجيًا، وتقدم هذه الخطة خارطة طريق لكل الجهات التي يمكن أن تسهم في هذا المشروع الجبار. وإني عندما أتحدث عن هذا المجال فلا أنظر إليه كبديل للتعليم التقليدي، فهذا التوجه محل نظر ونقاش لدى أغلب التربويين بل إنك لا تكاد تجد أحدًا يدعو إليه أصلاً، ولكن خيار التعليم عن بعد ينظر له كرافد أساس للتعليم العام التقليدي، وهو بهذا الاعتبار له ثقله ووزنه وأثره الاجتماعي على نواتج الخدمة التعليمية، وهذا بحد ذاته تحد كبير وينبغي أن تعد له العدة ويعطى قيمته الحقيقية ليؤتي ثماره. وعلى رأس هذه الاستعدادات والتجهيزات ورأس مالها مسألة توفر التقنية لدى كل من الطالب والمعلم، وهي أول إشكالية تعترض بال من يتفكر في التعليم عن بعد في أي بلد وفي أي مجتمع، وأعتقد أننا يجب ألا نصنع منها العائق الوحيد وألا نستجيب لدواعي المثبطين والمتكاسلين، فبالنسبة للمعلم فإني أرى أن ما تمنحه له الوزارة من رواتب مجزية تقدم مبررًا كافيًا لتكليفه أن يوفر الجهاز ويتدرب عليه بطريقته، فهذا الأمر بات اليوم من المسلمات تقريبًا. أما بالنسبة للطالب فأنا مع من يذهبون مذهب أن هناك فئة من الطلاب لا يستطيع ولي الأمر أن يوفر لأبنائه وبناته الأجهزة اللازمة لهذا التطبيق، ولكن أقول في الوقت نفسه إن هؤلاء الذين يشير إليهم المعترضون فئة منهم فعلاً بهم من الفاقة والفقر ما يمنعهم من هذا الأمر وهؤلاء ينبغي أن يكونوا معروفين أصلاً، لأن عدم معرفتهم وتحديدهم هو خطيئة أكبر من عدم تعليمهم أصلاً، وبهذا الاعتبار فيمكن توفير الأجهزة لهم من خلال مصادر الدولة المخصصة لذلك، وهذا معروف بل هو من المسلمات أيضًا، أما الفئة الأخرى فهم يمكنهم بقليل من التدبير توفير هذه التقنيات، تمامًا كما يدبر أحدهم أموره ليوفر سيارة لابنه أو جوالاً لابنته، وهذا مشاهد، ولأن التعليم لدينا بالمجان خلافًا لحال كثير من الدول المتقدمة فإن قيام ولي الأمر بتوفير التقنية لتعليم أبنائه هو أقل القليل ليتفاعل مع متطلبات التنمية في وطنه، وما سيدفعه لا يقاس بما يدفعه ولي الأمر في البلدان الأخرى من رسوم «سنوية» مستمرة، وإني لا أجد غير هذا المفهوم البسيط والمقنع لأواجه به هذه النظرية المثبطة لمشروع التعلم الإلكتروني، وأعتقد أنه مفهوم كافٍ وستكون التجربة ناجحة بإذن الله، فتوكلوا على الله.