د. خيرية السقاف
ها هو «رمضان» في ضيافتنا..
جاء كما اعتاد أن يجيء بهداياه الأثيرة، بكرمه اللا محدود، بوفائه السخي،
بوعوده الصادقة لا يخلفها، بكفيه المنبسطين لا يقبضهما..
جاء يشرع نوافذه نوافذه لسعينا لفضاءات لا نهائية يتيحها..
لأماكن فينا في عمق سحيق، لرجاءات لنا ليست مؤجلة، ولا منبتة..
جاء لم يتغيّر، لا اختلاف في سحنته، أو ملامحه، أو سماته..
جاء بكامل هيئته، أناقته، عطره، كحل عينيه، دفء كفيه، ونعيم محياه..
وأمن محضنه، ومغتسله النقاء..
ما اختلف رمضان، نحن الذين نفعل..
«بشرٌ» لا نبقى على حال..
نعد ونخلف، نعزم ونتهاون، نقرر ونسهو، نحثُّ ونتخاذل، نقبل وندبر، نحب ونكره، نصدق ونكذب، ننشط ونكسل، نقوى ونجبن، نجد ونتهاون..
و«رمضان» جاء..
ولج من أوسع أبواب إلينا، يزور قلوباً في صدورنا..
فأي مكان منها سننزله حين لا يليق به أن يُستقبل على مائدة ما لذ وطاب من طعام، وشراب، أو في حجرة ضيافة نشركه مشاهدة تلفاز، أو لحظات ترويح، أو نأخذه في غفوة نوم، أو قراءة رواية!..
رمضان جاء،
وحال ظرف المكان في محيط حركتنا يختلف خارج قلوبنا، لكن رمضان لا يختلف لأية حال،
ذلك لأنه لا يزور شارعاً، ولا طريقاً، ولا بيتاً، ولا قصراً، ولا متجراً، ولا ملعباً، ولا جمعاً، ولا عرسا، وإنما هو يزور القلوب في الصدور، وما يلبث أن يغادر،..
فكيف سيكون الاحتفاء به في صدر كل ذات منا، حيث الصدور لا علاقة لها بظرف المكان الذي تدب فيه أقدامنا؟!..