د. صالح بن محمد اليحيى
في وقت نجد فيه المملكة تثبت كعادتها جدارة فائقة في قدرتها على إدارة الأزمات؛ حيث تم تطبيق العديد من الإجراءات الاحترازية لمكافحة انتشار فيروس كورونا الغامض؛ يجد المواطنين أنفسهم لأول مرة أمام حظر يحد من حريتهم التي اعتادوها في التجوال.
فلعل جيل كامل منا لم يعايش، بل ربما لم يسمع قط من قبل عن منع للتجوال؛ حيث كان آخر ما شهدته بلادنا -حفظها الله - شر الفتن والمكاره عند غزو الكويت عام (1990م)؛ وما تسبب فيه الغازي حينذاك من احتلال دولة حدودية شقيقة؛ فكان تطبيق منع التجول في بعض المناطق المتاخمة للحدود لاستيعاب آثار ذلك الغزو البغيض؛ وهو الأمر الذي لم يعد يتذكره منا بالكاد إلا من تخطى الأربعين من العمر الآن.
ومنع التجوال هو تحديد لحركة البشر في مدينة أو منطقة ما نتيجة لظروف استثنائية أو طارئة ترتبط بمدى زمني محدد غالباً ما يكون ما بين غروب الشمس حتى شروقها لدفع خطر ما كما في حالات الحروب أو الشغب أو مع انتشار الأوبئة أو ما شابه؛ ويذكر لنا التاريخ أن «زياد بن أبيه» والي البصرة زمن الخليفة الأموي «معاوية بن أبي سفيان» هو أول من فرض منع التجوال في تاريخنا العربي والإسلامي، وذلك مع توليه إمارة البصرة عام (45هـ)؛ حيث وجد الفسق والظلم منتشراً بين ربوعها فأعلن فيها حالة الطوارئ وهدَّد بقتل كل من تسوِّل له خرق منع التجوال الذي فرضه، حتى تحقق لها الأمن بعد ذلك واستتب له الأمر للعناية بعمارتها وعمرانها.
أما في الغرب فيطلق على منع التجوال بالإنجليزية مصطلح (Curfew)، وهو لفظ مشتق من العبارة الفرنسية (Couvre-feu) والتي تعني (تغطية النار)، ويعود ذلك لقانون وضعه ملك الإنجليز «ويليام الفاتح» (1028- 1087م)، حيث أمر الناس بمنع التجوال والخلود للنوم بعد سماع «جرس المنع» الذي يدق مع الساعة الثامنة وإرغامهم على إطفاء المشاعل والمصابيح الزيتية لمنع انتشاء الحرائق المدمّرة داخل المجتمع المشيدة أغلب مبانيه من الخشب؛ وهو ما رصده الفيلسوف الفرنسي الشهير «فولتير» في كتابه «التاريخ العالم»، حيث ذكر فيه أن «جرس المنع» ذلك كان بمثابة الشرطة القديمة التي عملت على منع الحرائق في مدن نصف الكرة الشمالي.
وفي عصرنا الحديث شهدت العديد من دول العالم المتقدِّم والنامي على حد السواء حالات متعدِّدة لمنع التجوال لعل أقربها للذاكرة تلك التي حدثت في فرنسا عام (2005م) ومملكة البحرين عام (2011م) مع اندلاع أعمال شغب هناك، وكذلك في مصر في أعقاب ثورة يونيو عام (2013م) تحسباً لحدوث أعمال تخريبية وغيرها.
وقد ينفذ بعض من هذا المنع جزئياً أو فئوياً في بعض دول العالم بشكل دائم، فعلى سبيل المثال تمنع بعض الدول كإيسلندا تجوال الأطفال دون سن الثانية عشرة ما بعد الساعة الثامنة مساءً ما لم يرافقهم شخص بالغ، أما في الولايات المتحدة ومع امتداد المنشآت العسكرية بطول البلاد وعرضها فيسمح للقادة بتطبيق منع تجوال عسكري للجنود بهدف ضبط سلوكهم داخل تلك المنشآت، ليقع العالم بأسره الآن فريسة لفيروس قاتل شرس؛ وهو الأمر الذي أوجب على سلطات أغلب دول العام فرض منع تجوال صحي ربما يكون هو المنع الأضخم في تاريخ البشرية، حيث تم حجر أكثر من مليارين من البشر داخل منازلهم حفاظاً على صحتهم وحياتهم، وربما حفاظاً على الجنس البشري بأكمله.
وهكذا نجد أن الهدف من منع التجوال يختلف ما بين ردع لسلوك غير مشروع، أو لمنع الجريمة، أو لحماية الناشئة والشباب وتعزيز المسؤولية الأبوية، أو لدرء خطر وباء أو جائحة. بالفعل تعدَّدت الأسباب والحظر واجب.