د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** حكى بعض الإعلاميين عما لقوه من حرجٍ حين اكتشفوا أن تسجيلاتهم الصوتية والمرئية لم تُحفظْ؛ فأُحبطوا وبحثوا عن منقذٍ يستعيدُ ما فُقد، وربما نجحوا فنجَوا أو فشلوا فضجّوا، ومن تجربته فقد كان يستعينُ بمسجلين اثنين في لقاءات صفحتيه: «قراءة في مكتبة» منتصف الثمانينيات الميلادية، و»واجهة ومواجهة» أول الألفية الثالثة، ومن وُعظ اتعظ.
** لم يكن هذا موضوع مقالِه الخميسي؛ فقد كتب عن «سلطة الكلمة وسطوة المتكلم» لكن خللًا فنيًا ألغاه من ذاكرة حاسوبه، ولو ظل على اتعاظِه لأوجد نسخةً احتياطية، غير أنه نسي الدرس فضاع الطِّرس.
** أحسَّ - كما لم يحسّ من قبل- بقيمة الورقة والقلم اللّذين هجرهما منذ عقدين فصار مرتهنا كغيره لتقنيةٍ تسيِّرنا فلا نحكم دواخلها ولا نتحكم بتداخلاتها، وتساءل كثيرون: ماذا لو توقف البث الرقمي أو أوقف؛ فلا بريد ولا محركات بحث ولا وسائط تواصل: هل نعود إلى عصرٍ باعدت بيننا وبينه مسافاتُ التقنية فصرنا نتنفس فضاءً ليس من سماءاتنا، ونتيه في فلواتٍ لا تنتمي إلى رملنا، ونظنُّ الغد ممتدا كما خيمةِ «ميسون» التي اتسع أُفقها فرضيت بالعباءة الدائمة وتنازلت عن الشّفوف المؤقتة.
** هجر الأغلبية مكتباتهم الورقية، واستدبروا صحفَهم التقليدية، ولم يعودوا أوفياء مع المذياع والشاشة، ونسينا حركة اليد وهي تكتب، والكتاب وهو يُقلب، وبطاقات الفهرسة وتصنيف ديوي ورائحة الحبر وخطوط المبدعين، فهل نحن واثقون أن التقنية لا تخون؟
** نَستبعد فنُستعبد، ونطمئنّ فنفاجأ، وتعود هواجسُ الاحتياط ومشاعر الإحباط ؛ فماذا لو حجبت أو احتجبت؟ وما حال ثلث اقتصاد العالم وملايين العاطلين ومن سيعرف من، وماذا سينتج ماذا؟ ورثى حاله إذ فقد أسطرًا أودعها تفكيرَه ولم تقدر تدبيرَه فأيقن أن الكتابة بعد الكتابة همٌّ ووهنٌ، وحاول لأْم ما تبعثر فتعذر، ولم يجد في طاقته الذهنية والنفسية ما يجعلُه في مزاجِ من نهض بعدما تعثّر، فكيف سنرثي انهيارات البنوك والشركات، وخسائر الأسهم والسندات، وضياع الاستثمارات والمليارات؟
** أصاب العقول رعب من الافتراض، وهانت عليه حكايته مع «الخطو والمحو» وأبحر في عالم ما قبل التقنية وتأمل فيما بعدها وأيقن أن ضياع مقاله أضاء مخاوفَ يتمنى أن تكون سحائبَ وهم.
** روى الأستاذ بجامعة ستانفورد «جيف هانكوك» - وفق الـ»بي.بي.سي» أنه عرض على طلبته عام 2009م الاستغناء عن «الإنترنت» خلال نهاية الأسبوع فواجهوه باستحالة ذلك وتحدثوا عن تأثيره المدمر على حياتهم الشخصية وواقعهم المجتمعي فصرف النظر، وتجاوزناه ببضعة عشر عاما فمن سيقبل اليوم إلغاء هاتف جيبه الذي يحمل الدنيا إليه؟
** لم يفقد صاحبكم المقال وحده فمعه مسودات كتاب لكن الأمر هان عليه أمام من سيعيشون عصر ما بعد الإنترنت ليراقبوا «بنات نعش» من سطوح منازلهم ليعدّوا في سديمها أقمارا لا ترانا ويستعيدوا من ذاكرتها حكاياتٍ لا تروينا.
** الإجابات أقسى.