لؤي محمد إبراهيم الشريف
من الممكن أن أبدأ بتعريف دائرة الأمان بأنها هي الدائرة التي يشعر فيها المرء بالراحة؛ وذلك بسبب روتينية أفعاله التي قد يقوم بها منذ سنوات، وقد تصل إلى حياته منذ ولادته؛ فيشعر في هذه الدائرة بأنه لا يوجد جديد قد يغيِّر عليه نمط سلوكه، وأنه ليس من الممكن أن يتعرض لصدمات أيًا كان نوعها؛ وذلك بسبب إخلاله بنمط الحياة التي يعيشها؛ وهذا ما يجعل الخروج من هذه الدائرة أشبه بالمستحيل عند البعض بسبب خوفه من المجهول؛ إذ إن العقل البشري يريد أن تكون كلمة مجهول في قاموسه معدومة. ومثال على ذلك: العقل يعطي انطباعات عن الأشخاص الذين نراهم في حياتنا دون أن نقوم بالاتصال معهم، وقد نعطي عنهم انطباعات، ونجسِّد لهم شخصيات بمجرد النظر لهم؛ وذلك لأن العقل لا يريد أن يكون الشخص الذي أمامه مجهول الشخصية. فمن باب أولى يصعب على العقل أن يخطط للانتقال لمرحلة مجهولة المستقبل، وقد تصل هذه الصعوبة في بعض الأحيان إلى أنه قد يكون المرء على علم بأن التغيير الذي سيقوم به قد يحسِّن حياته إلى الأفضل، ولكن بمجرد قدومه على التغيير يتولد في داخله شعور بالخوف والرهبة بسبب مجهولية المرحلة القادمة، وبمجرد شعوره بهذا الشعور يعود تلقائيًّا إلى دائرة الأمان.
من الطبيعي لدى المرء شعوره بالرهبة من التغيير. وأنا أؤمن بأنه من الصعب على الإنسان أن ينفي هذا الشعور نهائيًّا، ولكن يجب عليه في الوقت نفسه أن يؤمن بقدراته في تجاوز مصاعب الخروج من هذه الدائرة، وإلا لن يسمح لنفسه بالارتقاء لحياة أفضل مهما سمحت له الفرص. ولي في ذلك أمثلة عديدة، منها أن الوزراء لم يولدوا وزراء في هذه المرتبة، بل دخلوا في العديد من دوائر الأمان، وبثقتهم بقدراتهم وبمعرفتهم تجاوزوها.
متى ما وثق المرء بأن الله سبحانه وتعالى لا يختار لعبده غير الصواب، ووثق بقدراته ومعرفته الشخصية، وقام بتقدير المرحلة القادمة والتخطيط الدقيق لهذه المرحلة، وعقد عزيمته وإصراره للوصول إليها، سيصل، وفي أسوء الأحوال سيكون فخورًا بذاته لإصراره على الخروج من هذه الدائرة التي عجز العديد من البشر على مستوى العالم عن مجرد التفكير بالخروج منها.